يثير فيلم”زبانة!” للمخرج سعيد ولد خليفة، قضية تعتبر واحدة من جرائم الاحتلال الفرنسي ويتعلق الأمر بإعدام الوطنيين والسياسيين الجزائريين، كونه يُعد خرقا للقوانين، ويكشف في سرد تاريخي بعيد عن الخيال كيف صادق مجلس الوزراء الفرنسي على قرار استعمال المقصلة بإيعاز من فرانسوا ميتران الذي كان يشغل وزير العدل في إعدام هؤلاء المناضلين في سبيل الحرية. خلال عرضه الشرفي الأول، أمس، بقاعة الموقار في الجزائر العاصمة، أنار الفيلم جوانب خفية من شخصية أحمد زهانة المعروف باسم احميدة زبانة، إذ يروي آخر لحظات أول مناضل جزائري أعدم بالمقصلة، وكان في الثلاثين ربيعا، بعد محاكمة دامت سنتين، وهو لم يشارك في الثورة سوى ثمانية أيام، إذ ألقي عليه القبض بغار بوجليدة، الأمر الذي استدعى تركيز أطوار الفيلم حول يومياته في سجن بربروس المعروف سابقا بسجن سركاجي مع مناضلين وسياسين من جبهة التحرير الوطني، وحتى من أتباع مصالي الحاج المشككين في تلك الفترة بنجاعة الجبهة في قيادة الثورة نحو النصر. وفي المشاهد الأخيرة للفيلم، التي اختارها المخرج أن تنحصر في مقتل زبانة في صورة بطولية بالغة التأثير، إذ في ليلة 19 جوان 1956 كتب رسالة وداع لأمه وعائلته يدعوهم أن لا يبكو، بل أن يفتخروا به، وهو يساق إلى المقصلة وهو يردد “أنا أموت والجزائر تحيا” وسط تكبيرات المناضلين السجناء، يستوقفهم إمام جامع باب الجديد ليطلب السلطات الفرنسية بأن يؤدي زبانة وعبد القادر فراج آخر صلاة مفروضة لهما وهي صلاة الفجر، وبعد أخذ ورد ودفاع مستميت من طرف الإمام ومحامي زبانة تمت الموافقة، فصليا إلى جانب الإمام، ثم سيق زبانة أولا نحو المقصلة ووضع رأسه تحتها وصاح “الله أكبر .. الجزائر حرّة” توقفت المقصلة فتصاعدت الأصوات بساحة السجن مكبرة، ثم توقفت للمرة الثانية فزادت الاصوات تكبيرا ووقف الفرنسيون مذعورين هلعين، ليهرول المحامي نحوهم صارخا ويصرخ بملء فمه “إنها مشيئة الله أن لا يعدم اتركوه إنه خرق للقانون”، لكن تدخلاته فشلت في كبح جماح تعطش الجيش الفرنسي للدماء، فنالت منه المقصلة في المرة الثالثة، رغم أن موعد الإعدام المحدد فجرا قد فات وطلع النهار. يرصد الفيلم خوف السلطات الفرنسية بسجن بربروس من تورطهم في حالة إعدام زبانة وفراج على اعتبارهما مقاومين، لكن القيادة العليا طمأنتهم، بل الأكثر من ذلك دفعت لهم منحا وعلاوات على قطع الرؤوس بكل برودة أعصاب. وهناك مشهد آخر يسلط الضوء على شرعية ما قام به زبانة، عند محاكمته، حيث دافع عنه محاموه بأسلوب منطقي نابع عن القوانين الفرنسية، إذ خلق حالة من القلق في المحكمة، واعتبره محاموه مقاوما وليس إرهابيا، الأمر الذي رفضه القضاة جملة وتفصيلا، وقد استند المحامون إلى أن ما حصل مع زبانة وغيره من المناضلين هو ناتج عن عدم وفاء الحكومة الفرنسية بوعدها بمنح الحرية للجزائريين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بل قوبلوا بالقتل والقمع والأكثر من ذلك فقد حرمهم مرسوم كريميو من الحق في المواطنة، لكن القاضي تملص وحكم على زبانة بالإعدام. صورت معظم مجريات الفيلم بالسجن، حيث رصد المعاناة التي كان المناضلون يعيشونها، والحميميات التي تقاسموها رغم الظلم والجور، في حين لم يبد المخرج أيا من الجوانب التي ربما تتعلق بعائلته وبأمه ما عدا في مشهدين فقط، كذلك ظروف تبني زبانة للثورة وصفته فيها لم تظهر بالنحو الواضح للمتفرج. بالمقابل، برزت شخصيات أخرى مهمة على غرار الشهيد علي زعموم، الذي جسد دوره الممثل خالد بن عيسى. واستحضر العمل أهم المحطات في مسار الشهيد زبانة، بداية من الهجوم على بريد وهران سنة 1949 وهو في السابعة عشر عاما فقط، وقد استعان المخرج بقصاصات من جرائد أرخت للواقعة، وصور أحداث الهجوم على المطار العسكري طفراوي بوهران، حيث فشل فيها الثوار في اقتحام المكان، وأهم حادثة والتي إثرها حكم على زبانة بالإعدام هي قتله للمدعو فرانسوا براون حارس غابة كان ينال من الجزائريين العزل ويضطهدهم بجبروته. الفيلم الذي قام بدور البطولة فيه عماد بن شني الذي جسد شخصية زبانة، لم يبرز بالشكل المنتظر كونه البطل الرئيسي في الفيلم، ولم يلمس حضوره إلا في بعض أطوار الفيلم، لكن وفق المخرج إلى حد ما في اختيار الممثل نظرا لشبهه الكبير مع الشهيد أحمد زبانة. عقب عرض الفيلم، صرح ولد خليفة للصحافة أن عدم إبراز الجانب العائلي لزبانة ناتج عن عدم وجود أفكار كثيرة عنهم، ثم إن الفيلم سيطول بذلك كثيرا، مشيرا إلى أنه حر في اختياراته، وتابع في معرض حديثه أنه يستلهم من التاريخ وليس مؤرخا في حد ذاته. من جهته، قال كاتب السيناريو عز الدين ميهوبي إن الفيلم يتحدث عن موضوع وليس عن شخصية زبانة في حد ذاتها، وتم إبراز أهم المحطات القوية في مسار زبانة الكفاحي، وتمت إدانة فرنسا بأدواتها الاستعمارية التي برزت في مقطع المحاكمة، وكذا بتصريح جون بول سارتر، الذي قال إن الجزائر ليست فرنسا. جدير بالذكر أن الفيلم الذي مدته 110 دقائق، سيشارك في مهرجان تورونطو الدولي سبتمبر الداخل في برنامج “السينما العالمية المعاصرة”، وفي مهرجان دبي العالمي للسينما شهر ديسبمر المقبل.