أثار فيلم «زبانة» للمخرج سعيد ولد خليفة، حفيظة العديد ممن شاهدوه أمس ب«قاعة الموڤار» في العاصمة، أثناء عرض خاص بالإعلاميين. وكانت أكثر المشاهد التي تدعو للدهشة والاستغراب، حين ظهر الشهيد أحمد زبانة الذي يجسد دوره الممثل الصاعد عماد بن شني، وهو يقتحم رفقة ثلاثة مجاهدين بيت حارس غابة، وهو معمر فرنسي، ثم يقتلونه أمام زوجته وابنته، ويأخذون صندوقا من المال ويلوذون بالفرار نحو الجبل، والاختباء ب«حفرة»، ليتم حصارهم لاحقا من طرق الجيش الفرنسي وأخذهم إلى السجن. وتعكس هذه المشاهد، وفق رأي العديد ممن شاهدوا الفيلم، إساءة واضحة لشهيد المقصلة الذي تربت أجيال استرجاع الاستقلال على سيرته ونضاله الأسطوري، حيث أظهره المخرج بكل بساطة، في صورة لص يقتل ليسرق. وصدم المشاهدون أيضا بتغييب أحد أكثر الصور المعروفة عن الشهيد الذي تغنى به شاعر الثورة الجزائري مفدي زكريا حين قال عنه «قام يختال كالمسيح وئيدا.. يتهادى نشوان يتلو النشيدا»، حيث صور زبانة وهو يتجه نحو المقصلة، يكبر وتبدو علامات الارتجاف والخوف على وجهه، وليس «باسم الثغر»، كما جاء في قصيدة مفدي زكريا، ليبرر المخرج الأمر لاحقا، في نقاش مع الصحفيين بقوله «أنا مخرج ومفدي زكريا شاعر.. وهذا ما توفرت لدي من معلومات.. ومن حكوا لي قالوا إن الشهيد سيق إلى المقصلة وهو على تلك الصورة». وهنا علق البعض قائلين إن الفيلم جاء ليكذب ما قاله شاعر الثورة بعد 56 عاما. في السياق ذاته، أثارت النهاية المفتوحة للفيلم، حفيظة جمهور «قاعة الموقار»، حيث كان آخر مشهد فصل رأس الشهيد عن جسده دون تتمة باقي الأحداث والوقائع التي كان لزاما توضيح نهايتها مثل مصير الشهيد عبد القادر فراح الذي سيق إلى المقصلة رفقة زبانة دون أن يعرف ما آل إليه ليترك المخرج النهاية مفتوحة بعيدا عن معرفة رد فعل أسرة الشهيد المعدوم، خصوصا أنه أرسل إليهم برسالة قبل إعدامه ودعهم فيها فردا فردا، ليترك المخرج وكاتب «السيناريو» عز الدين ميهوبي، بذلك، علامات استفهام كبيرة وفراغات نصية عكست افتقار العمل إلى الحقائق والوقائع، فيما بررها القائمون على العمل ب«ضيق الوقت ومراعاة للنص الذي ركز على ملامح البطل زبانة».
من ناحية أخرى، أوضح المخرج سعيد ولد خليفة أن فيلمه سيتم تركيبه في ست حلقات تلفزيونية بموجب اتفاق مع التلفزيون الجزائري، موضحا أن هذا العمل الذي استغرق ساعة ونصف من الزمن، توقف عند أهم مرحلة نضالية من حياة أحمد زهانة، وهو الاسم الأصلي للشهيد، دون التفصيل في حياته النضالية قبل دخوله سجن «بربروس»، حيث حكم عليه بالإعدام بتهمة «الإرهاب» وقتل حارس غابة فرنسي. وأوضح سعيد ولد خليفة أن ما توفر لديه من حقائق حول هذا الفيلم السينمائي تلخص في تلك السنوات التي قضاها زبانة في الزنزانة في انتظار صدور حكم الإعدام رفقة عدد من الشهداء والمجاهدين، موضحا «أنا لا أزيف التاريخ ولا أعيد قراءته ولكني مخرج حاولت نقل حقائق عن رجل وإن لم يكن بارزا في نضاله، إلا أنه يبقى رمزا من رموز المقاومة الجزائرية كما أن الحديث عن تفاصيل حياة هذا البطل يستغرق وقتا يتجاوز وقت أي فيلم سينمائي». ومن جهته، أوضح كاتب «السيناريو» عز الدين ميهوبي أن اقتضاب الحوار في العمل وقلة الحوار وغياب البيئة الاجتماعية التي تعكس فترة الثورة التحريرية، يعود إلى شخصية البطل الصامتة التي جسدها الممثل عماد بن شني. كما أن هذا الشهيد، حسبه، ليس صاحب مسار نضالي كبير في الحركة الوطنية، حتى أنه لم يكن معروفا في أي حزب لأنه كان يناضل في صمت تحت هاجس استرجاع الاستقلال؛ مما اختزل مسيرة المناضل في أهم محطاته في الكفاح التي تلخصت بين جدران السجن الانفرادي تارة أو رفقة أصحابه من المناضلين، مع التركيز على إجراءات محاكمة البطل وإظهار وسائل تعذيبه، وصولا إلى ساعة إعدامه فجر السادس جوان 1956، حيث توقفت المقصلة مرتين، لتقطع الضربة الثالثة رأسه وهو يكبر ويشدو «تحيا الجزائر.