شرع الوزراء، منذ أمس، في تسلم مهامهم في الحكومة الجديدة التي يقودها السيد عبد المالك سلال الذي عين خلفا للسيد أحمد أويحيى، وهي حكومة تكنوقراطية تنتظرها تحديات كبيرة في ظرف دولي غير عادي، وأهم ما ميز الحكومة الجديدة تعديلات جزئية مست بعض المناصب الوزارية، في الوقت الذي تمت فيه المحافظة على المناصب السيادية ورحيل أسماء عن الهيئة التنفيذية سبق لها أن شغلت مناصب لفترات طويلة. وإذا كان الاعلان عن التشكيلة الحكومية جاء متأخرا ومتزامنا مع الدخول الاجتماعي، فانه يتسم بالبعد المرحلي لا سيما مع قرب تنظيم استحقاقات وطنية في إطار تطبيق سياسة الاصلاح التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، ابرزها تنظيم الانتخابات المحلية يوم 29 نوفمبر الجاري في انتظار تعديل الدستور . ومن هنا فليس من الصدفة ايضا ان يتزامن تعيين السيد عبد المالك سلال، الشخصية التكنوقراطية، في منصب الوزير الاول، خلفا للسيد احمد اويحيى في نفس يوم افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، كون ذلك يشكل إيذانا بانطلاق المرحلة الثانية من تجسيد الاصلاحات التي سبق أن بت فيها البرلمان بتشكيلته القديمة، من خلال المصادقة على جملة القوانين ابرزها قانون الانتخابات وترقية المشاركة السياسية للمرأة. ومن هذا الباب فانه يراهن على البرلمان الجديد ان يواصل رعاية هذه الاصلاحات، والشأن نفسه بالنسبة للتشكيلة الحكومية التي فضلت ان تحمل شعار الاستمرارية ببقاء وزارء في المناصب السيادية كما هو الشان لوزير الداخلية السيد دحو ولد قابلية الذي رعى تطبيق قانون الانتخابات الجديد واعتماد تشكيلات سياسية قبل تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 10 ماي الماضي. بالاضافة الى المهمة الموكلة له لتحضير استحقاقات نوفمبر المقبل . وتبرز ارادة الرئيس بوتفليقة في مواصلة نهج الاصلاح من خلال احداث تغيير جزئي قد يكون ظرفيا وفق مقتضيات المرحلة، ورغم ان ذلك شكل مفاجأة للبعض برحيل اسماء عمرت في بعض المناصب كما هو الشان لوزير التربية الوطنية ابو بكر بن بوزيد وعبد العزيز بلخادم ويزيد زرهوني وجمال ولد عباس والسعيد بركات والهادي خالدي فاننا نلمس محاولة لاعطاء نفس جديد للعمل الحكومي دون التشويش على البرنامج الاصلاحي المعتمد. وقد يكون الابقاء على وزير الخارجية السيد مراد مدلسي في منصبه، له علاقة بالتطورات الاخيرة ومساعي السلطات الجزائرية لعدم الاخلال بالجهود المبذولة في سبيل تحرير رهائنها وما يلازم ذلك من حالة الارتياب التي خلفها الخبر غير المؤكد عن مقتل احد دبلوماسييها بغاو (شمالي مالي). كما ظهر تخلي رئيس الجمهورية عن مناصب “وزراء الدولة “لصالح” كتابات دولة” من باب تفعيل برامج قطاعية حساسة كما هو الشأن لوزارة الشباب والرياضة، حيث عين السيد بلقاسم ملاح الذي سبق وأن شغل منصب مدير هذا القطاع بولاية البليدة ثم مستشارا لوزير التربية مكلف بالرياضة المدرسية على راس كتابة الدولة لدى وزير الشباب والرياضة. والشأن نفسه بالنسبة لكتابة الدولة لدى وزير السياحة والصناعات التقليدية مكلف بالسياحة، التي عين فيها السيد محمد امين حاج سعيد، الذي كان يشغل منصب المدير العام للديوان الوطني للسياحة، في مسعى لاعطاء نفس جديد لهذا القطاع الحساس، وهو ما ينطبق ايضا على كتابة الدولة لدى وزير التهيئة العمرانية والبيئة والمدينة مكلفة بالبيئة التي تترأسها السيدة دليلة بوجمعة. وكتابة الدولة لدى الوزير الاول مكلف بالاستشراف والاحصاء التي اوكلت للسيد بشير مصيطفى، بعد ان كان يسيرها الوزير السابق عبد الحميد تمار وقبل ان يتم تغييرها من وزارة الى كتابة دولة. وفي المقابل، تم تعيين السيد عبد المجيد تبون كوزير للسكن وهو الذي سبق أن أشرف على نفس القطاع أيام رئيس الحكومة الاسبق إسماعيل حمداني وكذا رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق السيد عبد العزيز زياري الذي عين على راس وزارة الصحة، حيث سبق له ان تقلد مناصب وزارية كوزير للعمل ثم كاتبا مكلفا بالجالية الوطنية بالخارج ثم وزيرا للشباب والرياضة، كما اعيد السيد محمد شرفي الى وزارة العدل التي كانت تسير بالنيابة من قبل السيد احمد نوي، الذي عين هذه المرة امينا عاما للحكومة. والسيد عمارة بن يونس كوزير للتهيئة العمرانية والبيئة والمدينة الذي سبق له ان شغل منصب وزير الصحة. في المقابل، يلاحظ الابقاء على اسماء لوزراء بتغيير المهام فقط، كما هو الشأن للسيد محمد بن مرادي الذي عين في وزارة السياحة والسيد شريف رحماني الذي تولى منصب الاول في وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، في سياق اعطاء نفس جديد للقطاعين برؤيتين مختلفتين. كما نال قطاع الاتصال حصته من التغيير، علما انه يعد من اكثر القطاعات التي تداول عليها العدد الاكبر من الوزراء. وتم تعيين هذه المرة السيد محند اوسعيد بلعيد الذي سبق له ان اشتغل في الصحافة قبل ان يتقلد مناصب عليا في الدولة. ودون ذلك لم تحمل التغييرات الاخرى مفاجآت ببقاء وزراء في مناصبهم كما هو الشان لعمار غول وزير الاشغال العمومية، عمار تو وزير النقل، رشيد بن عيسى وزير الفلاحة والتنمية الريفية، خليدة تومي وزيرة الثقافة، مصطفى بن بادة، وزير التجارة، رشيد حراوبية، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الطيب لوح، وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي. كما يظهر من الابقاء على وزير الطاقة والمناجم السيد يوسف يوسفي ارادة الاحتفاظ على استمرارية البرنامج الاقتصادي على ضوء التحضير لقانون المحروقات الجديد و الامر نفسه بالنسبة لوزير المالية السيد كريم جودي الذي تعكف وزارته على التحضير لمشروع قانون المالية الذي ينتظر ان يناقشه البرلمان. وعموما فان التشكيلة الحكومية الجديدة متكونة في أغلبيتها من تكنوقراطيين وهو ما صرح به السيد عبد المالك سلال في أول مداخلة له بعد تعيينه على رأس الحكومة الجديدة، حيث قال إن هذه الحكومة سوف تكون “تقنية أكثر منها سياسية”. وأن “هناك وثيقة عمل لمواصلة كل التطورات التي لا بد أن تعرفها الجزائر لا سيما ما تعلق بالاصلاحات”.