أشار مختصون في الجراحة العامة، خلال الملتقى الأول للجمعية الجزائرية للجراحين الأحرار المنعقد مؤخرا بالعاصمة، إلى أهمية تحسيس المواطن بأهمية الاستشارة الطبية الأولية لدى الطبيب العام، رافضين أن يدخل هذا ضمن الوعي الصحي، مشيرين في ذات الوقت إلى التكلفة الاقتصادية الكبيرة التي قد تنجر عن الإستشارة المتخصصة، في الوقت الذي يمكن تفاديها. وأشار الدكتور شاوشاوي زكي المختص في الجراحة العامة في حديث ل «المساء»، على هامش الملتقى العلمي، إلى الخطأ الذي يرتكبه عامة الجزائريين في قصد الطبيب الأخصائي عوض التوجه إلى الاستشارة العامة، مشيرا إلى أن هذا السلوك يخلف خسائر مادية كبيرة على المواطن نفسه الذي يُحمّله المسؤولية الأولى في هذا السلوك الخاطئ. ويرفض المختص الإتجاه القائل بأن المواطن الجزائري وصل إلى درجة من الوعي الذي يجعله مطلعا على الاختصاصات الطبية الموجودة، وبالتالي التوجه إلى الاختصاص بعينه، «فور الإحساس بألم موضعي على مستوى البطن، مثلا، يتوجه إلى المختص في الطب الداخلي الذي قد يطلب منه إجراء فحص بالمنظار الداخلي (الفيبرو) المكلف، في الوقت الذي قد يكون الألم خفيفا ولا يتطلب تلك الفحوصات، وقد يصاب أحدهم بنزلة برد خفيفة، فيستشير أخصائي الأنف والحنجرة مباشرة، حيث يصف له إجراء فحوصات مخبرية وتحاليل دم، كل هذا مكلف، في الوقت الذي تكفي استشارة طبيب عام واحد لتحرير وصفة طبية معالجة لهذا المرض أوذاك». يقول الدكتور شاوشاوي، ملفتا إلى أهمية العودة إلى النظام الذي كان معروفا ومنتشرا بين الأسر الجزائرية سابقا، ويقصد به طبيب العائلة الذي يكون على اطلاع بتاريخ العائلة المرضي، وعليه يمكنه وصف العلاج حسب كل فرد منها، أو حتى تقديم النصائح للأفراد دون أن يتكبدوا عناء التجوال بين الأطباء الأخصائيين والعيادات الخاصة، مع إجراء الفحوصات والتحاليل التي تتطلب أموالا كثيرة. وأوضح المتحدث أن هذه الفوضى من الممكن جدا تفاديها عن طريق إعادة تنظيم أحسن والتنسيق بين عدة قطاعات، ومن ذلك تأسيس قانون يمنع تعويض الوصفات الطبية إذا كانت من طرف طبيب أخصائي دون أن يوجَّه المريض إليه من قبل طبيب عام، وهذا هو المعمول به في عدة بلدان أوروبية. وقد نظمت الجمعية الجزائرية للجراحين الأحرار مؤخرا بولاية الجزائر، لقاءها العلمي الأول، اختيرت له محاور منها؛ الدوالي و«البعج»، يحدثنا عنها الدكتور شاوشاوي فيقول: «ارتأينا خلال هذا الملتقى، التطرق إلى مناقشة محور جراحة الفتاق أو «البعج»، كما هو معروف لدى العامة، حيث يصيب الصغار والكبار على السواء، وقد أصبح حاليا مرضا كثير الإنتشار بين الأطفال ولا يمكن أن يشفى دون العلاج بالتدخل الجراحي»، مشيرا إلى أن جراحة «البعج» من العمليات الدقيقة ومن أكثرها تطبيقا على الأطفال، حيث أن نتائج الجراحة عند الرضع والأطفال الأقل من 10 سنوات ناجعة في حال إجرائها من قبل المتخصص. ويشير محدثنا إلى أنه تم تسجيل، في الجزائر، إصابة واحدة بمرض الفتاق أو «البعج» من بين خمسة ذكور. ويوضح أن «البعج» لدى الأطفال يختلف تماما عنه لدى الكبار، نتيجة حدوث ثقب في عضلات البطن بسبب نوع من النشاطات، لاسيما حمل الأشياء الثقيلة التي تتسبب في تفاقم الحالة لدى الشخص المعرض للمرض منذ الصغر. وأضاف المختص أن الإشكال المطروح حاليا حول هذا المرض، يكمن في إعادة تكرار الحالة المرضية بعد نجاح الجراحة، حيث يصل معدل تكرار بروز المرض بعد جراحة استئصال «البعج» من 3 إلى 6%، وهذا بسبب عدم انضباط المريض من الجانب العلاجي والوقائي بعد الجراحة. أما عن دوالي الساقين، فهو مرض شائع جدا في مجتمعنا، وتتراوح نسبته ما بين 20 إلى 30% تقريبا من سكان الجزائر الذين يعانون من الدوالي (فاريس)، مثلها مثل «البعج»، لأنه يمكن إجراء جراحة للتخلص منها، حيث تظهر بكثرة عند النساء بسبب الوقوف لفترة طويلة، إلى جانب الحمامات الساخنة التي تحفز ظهور الدوالي، ولحسن الحظ لا يستدعي العلاج عادة المكوث في المستشفى أو قضاء فترة انتعاش طويلة وغير مريحة. فالرعاية الذاتية، كممارسة التمارين الرياضية، تخفيض الوزن، تجنب ارتداء الملابس الضيقة، رفع الساقين وتجنب الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة، من الممكن جدا أن تخفف الألم وتمنع تفاقم الدوالي، كما أن هناك جوارب مطاطية خاصة تساعد على علاجها. من جهة أخرى، يتحدث الدكتور شاوشاوي عامة عن اختصاص الجراحة الذي «قطع أشواطا كبيرة بشكل عام، سواء على مستوى المستشفيات الجامعية الكبرى أو العيادات المتخصصة التابعة للقطاع الخاص، غير أنه كما أشار إليه الدكتور أحمد رامي، رئيس الجمعية الجزائرية للجراحين الأحرار لمنطقة الوسط، فإنه يوجد نقص كبير للجراحين المتخصصين في حوالي 40 % من مستشفيات ولايات الجنوب الكبير، حيث يضطر قرابة ال 60 % من مرضى هذه المنطقة للتنقل إلى مستشفيات الشمال قصد جراء عملياتهم الجراحية، وهذا أمر غير مقبول، خاصة إذا علمنا أن التسيير المركزي لقطاع الصحة يسبب إنفاق المليارات من الدينارات سنويا للتكفل بالحالات المرضية المحولة من الجنوب إلى الشمال، في وقت كان من الممكن استغلال هذه الأموال الكبيرة في تحسين المنظومة الصحية وتدعيمها بالتجهيزات والعتاد الطبي والجراحي اللازم.