تحيي الجزائر، اليوم، الذكرى الثانية والخمسين للمظاهرات التاريخية ل11 ديسمبر 1960 التي تبقى أحد المنعطفات الحاسمة في تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، وذلك في وقت تشتد فيه المطالبة بضرورة اعتراف فرنسا الاستعمارية بكافة جرائمها التي ارتكبتها في حق الجزائريين الأبرياء منذ احتلالها الجزائر وسط تنكّر فرنسي صارخ يسعى لتلميع ماضيه الاستعماري في الجزائر. وجاء الاحتفال بهذه الذكرى التاريخية التي ميّزت المسيرة النضالية للشعب الجزائري في سبيل تقرير مصيره وافتكاك استقلاله كخطوة لابراز الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي وتأكيد تمسّك الشعب الجزائري بوحدته والتفافه حول مبدأ تقرير المصير في مواجهة سياسة الجنرال “ديغول” الرامية إلى الابقاء على الجزائر جزءا لا يتجزّأ من فرنسا الاستعمارية في إطار فكرة الجزائر جزائرية من جهة وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذي لا زالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية. وتعد المناسبة فرصة هامة لتأكيد الموقف المتمسك بتجريم الاستعمار والضغط على المعنيين للحصول على اعتراف واعتذار رسميين متبوعين بتعويض المتضررين وفق مقترح مشروع القانون الذي وقّعه نواب البرلمان الخاص بتجريم الاستعمار. كما كانت المظاهرات بمثابة استفتاء شعبي من أجل التحرر والاستقلال بإحباط مخطط الجنرال ديغول الهادف إلى فرض حل اعتمد في إطار لامركزية الادارة الاستعمارية مع منح حكم ذاتي للأراضي الجزائرية، ساهمت فيها جبهة التحرير الوطني بنجاح باهر من خلال عزل فرنسا عن الساحة الدولية. ويرى مجاهدون ومؤرخون أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 كانت نقطة تحول حاسمة في مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار، حيث أفشلت كل المحاولات الفرنسية لاجهاض الثورة لاسيما مع الادراك حينها أن الانتصار العسكري على جيش التجرير الوطني عقب مخططات عسكرية للقضاء على معاقل المجاهدين لا يمكنه أن يتحول إلى انتصار سياسي وهو ما اقتنع به الرأي العام الفرنسي والدولي فيما بعد. كما يعتبر البعض أنه فور بدء المظاهرات بالجزائر العاصمة حان الوقت لكي تدوي “صرخة بلكور” في مانهاتن بنيويورك وهو ما تأكد فعلا أسبوعا من بعد بمناسبة انعقاد الدورة ال15 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تم خلالها في 20 ديسمبر 1960 تبنّي لائحة قوية جدا تعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وافتكاك استقلاله وتدعو لاجراء مفاوضات جزائرية-فرنسية لايجاد حل سلمي على أساس السلامة الترابية. وعجّلت هذه المظاهرات بتنظيم استفتاء حول تقرير المصير في الجزائر يوم 08 جانفي 1961 واطلاق مسار المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المعترف بها خلال مفاوضات ايفيان-سنة بعد أحداث 11 ديسمبر- باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري. وعلى الصعيد الدولي، وبعد أن مهّدت هذه الأحداث للوقوف أمام مظاهرات المناصرين للجنرال ديغول وإعادة تنظيم المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة التي تزعزعت هياكلها خلال معركة الجزائر سنة 1957- أعطت المظاهرات قوة استثنائية للوفد الجزائري المفاوض وعلى رأسه كريم بلقاسم بصفته ممثل الجزائر في الأممالمتحدة للتمسك أكثر بأحقية الجزائريين في نيل التحرر والاستقلال والحفاظ على سلامة الوحدة الترابية. وتضاف مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ومخلفاتها إلى جانب المحطات التاريخية الأخرى التي تستدعي اعترافا رسميا وشاملا يتبعه تعويض لكل الأعمال الاستعمارية البشعة التي لحقت بالجزائريين منذ احتلال الجزائر سنة 1830 إلى غاية الاستقلال سنة 1962، رغم بعض المحاولات الفرنسية الأخيرة المتناقضة التي تحاول أن تسابق الوقت “اعترافات الرئيس فرونسوا هولاند بمجازر 17 أكتوبر 1961” والتي يعتبرها الكثيرون اعترافات ناقصة في إشارة منهم الى ضرورة أن يرافق هذه الاعترافات تعويض للضحايا.