أكد الناطق باسم الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان، السيد رضا مالك، أن المظاهرات الشعبية التي شهدها الشارع الجزائري في ال 11 ديسمبر 1960 كانت منعرجا "حاسما" في الكفاح من أجل استقلال البلاد، حيث مكنت جبهة التحرير الوطني من عزل فرنسا على الساحة الدولية. وقال السيد مالك بمناسبة الذكرى ال 51 لهذه المظاهرات "اليوم عند الرجوع إلى الوراء يمكننا القول إن مظاهرات ديسمبر 1960 شكلت منعرجا حاسما في الكفاح التحرري وهذا أظهر مرة أخرى أن الاستقلال لا يمنح، لكنه ينتزع"، مسترسلا "هذه المظاهرات كانت امتحانا صعبا ورهانا استثنائيا لشعبنا الذي فاجأ العالم بأكمله مرة أخرى". وبالفعل، تمت بمناسبة انعقاد الدورة ال 15 للجمعية العامة للأمم المتحدة المصادقة في 20 ديسمبر 1960 على لائحة "قوية جدا" تعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال وضرورة إجراء مفاوضات جزائرية-فرنسية لإيجاد حل سلمي على أساس الوحدة الترابية"، مشيرا "إنها لائحة كاملة نوعا ما وتعتبر نجاحا على الصعيد الدولي. ولقد بقيت فرنسا معزولة بعد هذه المظاهرات". وساهمت الصحافة الأجنبية (الأمريكية، الانكليزية، الفرنسية، الإيطالية وغيرها)، التي كانت حاضرة بالجزائر خلال هذه الأحداث -حسبه- في هذا الانتصار من خلال إعلام الرأي العام الدولي بسير المظاهرات بأدق التفاصيل، مضيفا أنه موازاة مع النجاح الدبلوماسي الذي سجلته جبهة التحرير الوطني على الصعيد الدولي بفضل مظاهرات 11 ديسمبر، كانت فرنسا مرغمة على مراجعة سياستها الاستعمارية في الجزائر "أساسيا". وذكر السيد مالك بأن ديغول عندما تولى الحكم سنة 1958 جاء بفكرة الضرب بقوة على الصعيد العسكري، حيث أرسل الجنرال شال، الذي جاء بمخطط لتصفية جيش التحرير الوطني. وقال إنه عقب العديد من العمليات العسكرية "الدامية"، صرح الجنرال شال علنيا "الحرب انتهت. ولقد ربحنا عسكريا" ضد جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني. وباشر شارل ديغول -من جهته- مفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بمولون في جوان 1961 وهو لقاء باء "بالفشل". وقال السيد مالك "في الحقيقة ديغول كان يريد فرض وقف إطلاق النار على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (....) وكان لقاء مولون فشلا بالنسبة لديغول، وبالنسبة لنا كان هذا إيجابيا بما أننا كنا نعلم أن اللقاء لن ينجح، ومكن مولون من تأكيد تمثيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تجاه فرنسا". وحسب الناطق الرسمي للوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان فإن الفشل الذي مني به لقاء مولون جعل ديغول يفكر مليا "حاول التحدث عن الجزائر الجزائرية ملمحا أن الجزائر ستكون مستقلة ذاتيا نوعا ما ... كان يريد -على الأصح- فرض صيغة استعمار جديد (...)" -مثلما قال-. وكانت فكرة الجنرال كالآتي "بما أن شال يقول إننا انتصرنا عسكريا سنعمل ببساطة على لامركزية الإدارة في الجزائر وتنصيب حكومة مؤقتة ستكون بمثابة حكومة محلية لا تتمتع بصلاحيات كبيرة وتكون تابعة لفرنسا". وذكر بأن مظاهرات 11 ديسمبر نظمت بمناسبة زيارة شارل ديغول للجزائر، الذي "جاء لإطلاق سياسة الجزائر جزائرية (...) تحت عنوان إعادة تنظيم المصالح العمومية". وقد منع آلاف الأشخاص من رجال ونساء وأطفال خرجوا للشوارع الرئيسية لمدن الجزائر، البليدة، عنابة وتلمسان ... رافعين شعارات "يحيا الاستقلال.. تحيا الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية" ...، ديغول من القيام بزيارته لهذه المدن وفرض تصوره الجديد للأمور. واعتبر السيد رضا مالك أن مظاهرات ال 11 ديسمبر "لقنت الجنرال درسا حقيقيا"، مضيفا أنها "كانت آخر زيارة له للجزائر". وبعد أن سجل "درس" 11 ديسمبر 1960، نظم رئيس الجمهورية الفرنسية في ال 8 جانفي 1961 استفتاء حول تقرير المصير في الجزائر وهي الإمكانية التي كان قد تطرق إليها للمرة الأولى في ال 16 سبتمبر 1959. وقد صوت الفرنسيون بالأغلبية (75 بالمائة) لصالح حق تقرير مصير الجزائريين بمناسبة هذا الاستفتاء. وأكد السيد رضا مالك أنه "فور ذلك باشر ديغول مفاوضات حقيقية مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وجرى أول لقاء جدي منذ سنة 1954 بلوزان (سويسرا) في فيفري 1961 مباشرة بعد الاستفتاء". وسنة بعد لقاء لوزان إثر مفاوضات طويلة وصعبة وبينما كان الكفاح متواصلا في الميدان وقعت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائريةوفرنسا اتفاقات إيفيان التي وضعت بعد استفتاء جويلية 1962 حدا لحرب تحريرية دامت سبع سنوات ونصف ولاحتلال فرنسي دام 132 سنة.