كثير من الإنجازات العلمية والثقافية ما تزال عرضة للإهمال والتلف ويعلو أوراقها الغبار، إلا ما رحم ربي وأسعف المسعفون، وقد أولت بلادنا تراثنا الثقافي أهمية كبيرة وسخرت لأجله وسائل علمية متقدمة، خصوصا في ما يخص حفظ المخطوطات وترميمها، سواء على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية وعلى مستوى مركز المخطوطات بأدرار، إضافة إلى المجهودات الخاصة التي توليها الزوايا التي بحوزتها مئات المخطوطات مثلما نجدها في زاوية الهامل العامرة، وزاوية سيدي علي بن عمر في طولقة، بالإضافة إلى خزائن المخطوطات الموجودة عند بعض الأسر، خصوصا في جنوبنا الكبير، هذا ويقوم بعض الباحثين والجمعيات الثقافية بطباعة بعض المخطوطات وتقديمها بعد أن كانت في طي النسيان، ومن جملة هذه المخطوطات ” المناظرة بين العلم والجهل” وشرحها المسمى ”بذل الكرامة لقراء المقامة”، وهي من تأليف العلامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، قام بمراجعتها وتقديمها الأستاذ عبد الكريم قذيفة. في تقديم المناظرة التي تأتي في إطار السلسلة التي تصدرها الجمعية الثقافية للعلامة الشيخ عبد الرحمن الديسي، يقول أ/ عبد الكريم قذيفة : ” في هذا الكتاب، يقدم لنا العلامة شكلا آخر من أشكال الكتابة الأدبية، وفنا آخر من فنونها، فبعد أن عرفه القارئ المتابع شاعرا بارعا من خلال ديوانه، ثم عرفه باحثا مؤرخا نسّابا من خلال كتابه حول سيدي نايل، يكتشفه في هذا الكتاب ناثرا يطوع اللغة ويعجنها ليقدم لنا المعنى في أجمل صورة وأبلغ أسلوب”. الكتاب من القطع العادي يتوزع على 150 صفحة وقسم إلى ستة محاور رئيسية هي: كلمة الجمعية، نبذة حول حياة المؤلف، تقديم، المناظرة بين العلم والجهل، بذل الكرامة لقراء المقامة. ملاحظة هناك بعض الأخطاء المطبعية ينبغي على الأستاذ عبد الكريم قذيفة تصحيحها خصوصا ما تعلق بالقرآن الكريم والتي جاءت ”نأت الأرض ننقصها من أطرافها فألق استماعا” والصواب ” أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها” الرعد . ونقدم للقارئ الكريم نموذجين من هذه المقامة بلسان العلم والجهل في مناظراتهما، يقول العلم مفتخرا بصفاته وإنجازاته: ” وبعد، فقد اقتضى الحال، أن يقع بين العلم والجهل مناظرة وجدال، فاجتمع قوم، وعينوا لذلك يوما، فقام العلم وقد شاخ وأسن وأدركه الضعف والوهن، بادي الإعواز، يتوكأ على عكاز، في رثة حال، و أطمار وأسمال... وقال : يا جهل، ما أنت لخطابي بأهل، ولا جدالي عليك بسهل، يا موت الأحياء وقليل الحياء...”. وبعد افتخار العلم بفضائله، وإحصائه على الناس شمائله، وعلو مراتبه ومنازله، يأتي الجهل ليرد عليه فقال : ” يا علم ما هذا الإفراط في الظلم، أتكافحني في إقبال دولتي، وتنافحني في أيام صولتي، أما تخشى قوتي، أما ترهب بأسي وشدة شوكتي، وبيدي المناصب، وأنا الرافع الناصب، المتصرف في الحكام، وإلي مرجع الأحكام والنقص والإبرام، والقهر والإلزام...”. وبطلب من العلامة الشيخ الحفناوي وضع الديسي لهذه المناظرة شرحا، حيث قال : "وقد أشار علي العلامة الحفناوي نجل شيخنا سيدي الشيخ بن أبي القاسم.. بأنها تحتاج مني إلى تنبيه”. المناظرة بين العلم والجهل مخطوط نفض عن أوراقه الغبار، وكم من كتب مخطوطة تنتظر الأدوار ومن يرفع عن محاسنها الستار، فالجزائر غنية بتراثها، ثرية بعلمائها. الكتاب في طبعته الأولى 2012 صدر عن الجمعية الثقافية للعلامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي.