كشف الرئيس الأمريكي باراك اوباما عن استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب تقطع الصلة نهائيا بتلك التي عكفت الولاياتالمتحدة على انتهاجها طيلة السنوات الماضية. وقال الرئيس أوباما في أول خطاب للأمة منذ إعادة انتخابه لعهدة ثانية ألقاه أمام الكونغرس أن الإستراتيجية الجديدة لا تعتمد على إرسال الجيوش إلى الدول التي تشكل بؤرا لتنامي الإرهاب وإنما من خلال توفير مجموعة من الوسائل لمواجهتها. وفي سياق شرحه لهذه الوسائل قال الرئيس الأمريكي الذي أكد أن بلاده ستواصل محاربة الإرهاب أن "هناك جماعات متطرفة أخذت تظهر في المنطقة الممتدة من شبه الجزيرة العربية إلى إفريقيا وأن التهديد الذي تشكله هذه الجماعات يتزايد". وأضاف "ولكن لمواجهة هذا التهديد فإننا لسنا بحاجة إلى إرسال عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا إلى الخارج أو احتلال دول أخرى، فبدلا من ذلك فإننا بحاجة إلى مساعدة دول مثل اليمن وليبيا والصومال على تحقيق أمنها ومساعدة الحلفاء الذين يقاتلون ضد الإرهابيين مثلما يحدث في مالي". لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد على انه في وقت الضرورة ستواصل إدارته "اتخاذ إجراءات مباشرة ضد أولئك الإرهابيين الذين يشكلون تهديدا خطيرا للأمريكيين". في إشارة واضحة إلى إمكانية تنفيذ تدخل عسكري متى استدعت الضرورة القصوى ذلك. وبكشفه عن الخطوط العريضة للإستراتيجية الامريكيةالجديدة في مكافحة الإرهاب يكون الرئيس الأمريكي قد قطع الصلة بتلك التي انتهجها سابقه جورج بوش منذ هجمات ال11 سبتمبر2001 والتي اعتمدت على شن حروب واحتلال دول مثل أفغانستان والعراق دون أن تمكنها من بلوغ هدفها في القضاء على الإرهاب. وهي حروب كلفت الولاياتالمتحدةالأمريكية باهظا ليس فقط في الأرواح بل في النفقات التي أنهكت كاهل الحزينة الأمريكية، وكان يجب على أوباما البحث عن وسائل أخرى لمواصلة محاربة الإرهاب لكن مع تقليص التكاليف. كما أن الرئيس الأمريكي ومن خلال هذه الإستراتيجية الجديدة يسعى إلى تفادي تنامي مزيد من العداء ضد بلاده من شعوب العالم على غرار ما يحدث في أفغانستان. وهي كلها عوامل دفعت بإدارة الرئيس اوباما إلى تغيير طرق تعاملها مع ظاهرة ما فتئت تتنامى بشكل خطير وأصبحت تهدد أمن واستقرار العالم أجمع. وكانت بوادر هذا التغيير قد تجلت في الآونة الأخيرة مع تأكيد الولاياتالمتحدة رفضها لدفع الفدية للإرهابيين في موقف يصب في نفس الطرح التي نادت ولا زالت تنادي به الجزائر لتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية. وعادت الولاياتالمتحدة لتؤكد موقفها الرافض لدفع الفديات بعد القنبلة الدبلوماسية التي فجرتها سفيرتها السابقة بالعاصمة باماكو والتي كشفت عن دفع الدول الأوروبية لملايين الدولارات من اجل إفراج الجماعات الإرهابية عن رعاياها المحتجزين لديها. واعتبرت الولاياتالمتحدة أن إذعان الحكومات الأوروبية لمطالب الجماعات الإرهابية جعل هذه الأخيرة تستهدف الرعايا الأوروبيين دون الأمريكيين خاصة في منطقة الساحل الإفريقي التي تحولت إلى بؤرة خطيرة لتنامي الإرهاب. وفي إشارة إلى المواجهة بين البيت الأبيض والكونغرس حول الطابع القانوني للعمليات السرية في محاربة المواطنين الأمريكيين المتهمين بالإرهاب مثلما هو الحال بالنسبة للإمام الأمريكي من أصل يمني أنور العلاقي في 2011 اعتبر الرئيس اوباما انه يجب أن تتم مكافحة الإرهاب مع احترام بعض القيم. وأكد التزامه بالعمل مع الكونغرس لضمان استهداف وحجز ومتابعة الإرهابيين طبقا للقوانين الأمريكية وكذا تقديم كل هذه العمليات للشعب الأمريكي وللعالم بكل شفافية.