تجتاز حكومة الوزير الأول المغربي عبد الإله بنكيران هذه الأيام، أصعب أيامها، وسط تفاقم مشاكلها المالية ومتاعبها الاقتصادية، في ظل تململ شعبي متزايد وضعها أمام مأزق حقيقي جعلها غير قادرة على التوفيق بين مطالب اجتماعية متزايدة وخزينة عمومية فارغة. وكان لهذه المتاعب وقعها المباشر على صورة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتولى لأول مرة في تاريخ المملكة إدارة الشأن العام المغربي، وكان يأمل أن يكون منقذا لشعب أرهقه الفقر والحاجة وراح يقدم الوعود بأيام الرفاه والعيش الرغيد، قبل أن يصطدم بواقع آخر أكثر مرارة وقتامة. وهو الواقع الذي استفاق عليه عامة الشعب المغربي وتحول الأمل المعقود على بنكيران إلى تذمر متنام وهو مرشح لأن يبلغ ذروته بحلول فصل الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة إلى أقصاها ومعها درجة عدم الرضى الشعبي الذي قد يجعل الحكومة المغربية تدفع أولى تبعات فشلها في الإيفاء بوعودها. وزادت متاعب أول حكومة إسلامية تتولى إدارة الشأن العام في المغرب، بعد أن شحت العائدات المالية بالعملة الصعبة متأثرة بالأزمة الاقتصادية العالمية، وتراجع توافد السياح على المملكة، في وقت وجدت فيه الحكومة نفسها أمام مأزق الإبقاء على دعم المواد الواسعة الاستهلاك التي تعتمدها السلطات المغربية من أجل كسب جبهة اجتماعية فقدت صبرها ولم تعد تتحمل مزيدا من الانتظار. وأكدت آخر المؤشرات الاقتصادية للعام الماضي، ارتفاع العجز في الميزانية العمومية إلى7,1 بالمائة مقابل 6,2 عام 2011، وهو ما حتم على الحكومة المغربية اللجوء إلى اقتطاع مبلغ 1,2مليار أورو كانت مخصصة للاستثمارات العمومية حتى تتمكن من إبقاء الدعم الحكومي على المواد الواسعة الاستهلاك مثل الخبز والزيت والدقيق. وأكدت هذه الأرقام الضخمة على حقيقة العجز الذي أصبحت تواجهه حكومة الوزير الأول المغربي في تحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة مستفحلة واقتصاد أصابه الكساد وبطالة بلغت نسبتها أرقاما قياسية. والواقع أن بنكيران وكل السلطات المغربية لم تجد مخرجا آخر من غير اللجوء إلى هذه "الحيلة" في التسيير لإدارة الأمور ولو ظرفيا، ولكن ذلك لا يعدو أن يكون سوى إجراء ترقيعي ستنكشف عيوبه بمجرد الشروع في تطبيقه وانتهاء مفعوله، على اعتبار أن الحكومة ستجد نفسها مرغمة مرة أخرى على العودة إلى الاقتطاع من الأموال المخصصة للاستثمارات العمومية. ويبدو انطلاقا من مؤشرات الاقتصاد المغربي، أن الأزمة مرشحة لأن تطول وخاصة وأن أفق الاقتصاد المغربي مسدود، بسبب عدم وجود أي هامش أمام بنكيران وحكومته لتعويض تلك الأموال أو تحصيلها من أنشطة أخرى، من غير المنتجات الفلاحية المصدرة أو الصناعة السياحية التي تهاوت عائداتها هي الأخرى، بسبب مخاوف السياح الأجانب من أية أعمال إرهابية تستهدفهم وخاصة وأن حادثة مقهى الارغانا الشهيرة في ساحة مسجد الفنا بمدينة مراكش مازالت عالقة في الأذهان. ولم تنتظر المعارضة الاشتراكية وضعية الانسداد هذه، لتصب جام غضبها على الحكومة الإسلامية إلى درجة جعلتها تصف قرارات بنكيران الترقيعية بالخطيرة والكذبة على الشعب المغربي وتهديد على الاستقرار الاجتماعي. في وقت اتهم فيه حزب الاستقلال الوزير الأول باللجوء إلى الحلول السهلة وغير مكترث بحقيقة الواقع الاجتماعي للشعب المغربي. بل أن موجة الانتقادات كالها حزب الحركة الشعبية المشكلة للائتلاف الحكومي، وجعلت وزير الداخلية محند العنصر يوجه انتقادات مبطنة باتجاه بنكيران، مطالبا إياه بعدم تقديم وعود زائفة وأن يلتزم الشفافية ولغة الصراحة في مخاطبة الشعب المغربي". ولم تقتصر حملة الانتقادات على الأحزاب السياسية، بل تعدتها إلى مختلف الصحف المغربية التي وصفت قرار الاقتطاع بالكبير في تاريخ الاقتصاد المغربي، كونه يمثل ربع الميزانية العامة. ولأن المبلغ المقتطع ضخم، فإن أوساطا اقتصادية مغربية ذهبت إلى حد التأكيد أن المغرب ليس له من وسيلة أخرى للخلاص من هذه الضائقة، سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كآخر ملاذ لإنقاذ الاستثمارات العمومية التي كانت ولازالت بمثاب ضابط توازنات الميزانية العمومية المغربية. وهو الخيار الذي سيثقل كاهل الاقتصاد المغربي الذي حصل العام الماضي على خط قرض ائتماني بقيمة 6,3 مليار دولار، وتبين أن السلطات المغربية ستكون عاجزة على تقليص العجز في الميزانية إلى مستوى 4,8 بالمائة، كما اشترط على ذلك صندوق النقد الدولي. ولكن الامتحان الأكبر دخله أمس الوزير الأول المغربي في افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان المغربي، والذي ينتظر أن يستغلها نواب مختلف الأحزاب لشن حملة انتقادات باتجاه الحكومة وقرارها.