قضى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نهاية الأسبوع متنقلا بين العاصمة الأردنية عمان والقدسالمحتلة، حاملا نتائج محادثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في محاولة لإقناعهما باستئناف جلسات مفاوضات السلام المتوقفة منذ ثلاث سنوات. وانتقل كيري أمس إلى عمان الأردنية؛ حيث التقى بالرئيس الفلسطيني هناك، قال مصدر دبلوماسي أمريكي إن نتائج تلك الجلسة كانت بنّاءة من أجل تحقيق تقدّم على طريق مسار السلام قبل أن يعود مباشرة بعد ذلك على متن طائرة مروحية إلى القدس الغربية، لعقد لقاء آخر مع نتانياهو ورئيس الكيان الإسرائيلي المحتل شمعون بيريز، لعرض نتائج محادثاته مع الجانب الفلسطيني التي بقيت في طي الكتمان. وعاد وزير الخارجية الأمريكي إلى مدينة القدسالمحتلة بعد جلسة ماراطونية عقدها ليلة الخميس إلى الجمعة، مع الوزير الأول الإسرائيلي وقال إن محادثاته كانت بنّاءة رغم طولها. وحمل كيري إلى العاصمة الأردنية التي وصل إليها برا انطلاقا من القدس الغربية؛ حيث التقى الملك عبد الله الثاني قبل أن يلتقي بالرئيس الفلسطيني، ما استخلصه من مواقف وتصورات إسرائيلية جديدة بخصوص إعادة بعث الروح في عملية السلام. وجدّد كيري لدى وصوله إلى فلسطينالمحتلة ضمن خامس جولة له إلى المنطقة منذ استلامه مهامه شهر فيفري الماضي، التزامه بالعمل من أجل تجسيد مبدأ حل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلم وأمن. ولكن المسؤول الأمريكي في كل مرة يتمسك بهذا المبدأ، ولم يقدم في المقابل أية ضمانات لإقناع الجانب الإسرائيلي بهذه الفكرة المرفوضة من جانب العديد من وزراء حكومة الاحتلال، الذين لا يفوّتون فرصة إلا ويؤكدون أن هذا الحل وُلد ميتا ولا سبيل لتجسيده. والأكثر من ذلك، أن الوزير الأمريكي الذي يسعى لأن يكون راعيا ووسيطا في هذه المساعي، لم يقدم حلا سحريا لقضية المستوطنات الإسرائيلية التي ابتلعت الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وشكّلت عقبة أمام كل فكرة لاستئناف مفاوضات السلام. ويريد وزير الخارجية الأمريكي تحريك عملية السلام وإجلاس عباس ونتانياهو إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، في تلميح واضح إلى رفض إدارته الشرط الذي تتمسك به السلطة الفلسطينية بعدم العودة إلى الطاولة ما لم تحصل على ضمانات بالتزام إسرائيلي صريح بوقف الاستيطان. وشكّلت هذه المسألة الحساسة وخاصة بالنسبة للجانب الفلسطيني ومازالت، عقبة في طريق أي خطوة على طريق التسوية إذا علمنا أن الحكومات الإسرائيلية ترفض كل شرط فلسطيني مسبق لتحقيق السلام وأصرت إصرارا على تكريس الاستيطان كأمر واقع، دون أن يمنعها ذلك من إلقاء الكرة في المعسكر الفلسطيني واتهامه بافتقاده لإرادة حقيقية في عملية السلام. وراحت الحكومات الإسرائيلية لتمرير موقفها باستعمال الولاياتالمتحدة التي استأثرت لنفسها بدور راعي عملية السلام للضغط على الجانب الفلسطيني، لإجلاسه إلى الطاولة، ولكن بعد أن تكون قد التهمت مساحات إضافية من الأراضي التي يأمل الشعب الفلسطيني إقامة دولته عليها. والواقع أن الجانب الفلسطيني الخاضع لضغوط داخلية لم يعد بإمكانه قبول فكرة العودة إلى المفاوضات، في وقت بلغت سياسة الاستيطان حدا لم يسبق أن بلغته. وكانت هذه العقبة ولازالت أهم عائق أمام المساعي الأمريكية لتحقيق أي اختراق على طريق مسار السلام المتوقف منذ سبتمبر 2010، بعد أن استحال على وزراء الخارجية الأمريكيين المتعاقبين كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون، تحقيق أي تقدم بسبب هذه المعضلة، وهو ما يدفع إلى طرح التساؤل: هل ينجح كيري حيث فشل سابقوه في هذه المهمة؟ وهو سؤال يفرض نفسه، وقد ازداد الوضع تعقيدا، والثقة انعدمت بين الجانبين المتصارعين، كما أن ما فرضته إسرائيل على الأرض لم يعد يبشر بالخير لإنهاء أعقد مسار سلام في العالم، وهو التشاؤم الذي لم تُخفه مصادر إسرائيلية أمس، والتي أكدت أن وزير الخارجية سيعود إلى بلاده بخفّي حنين، وأنّ أحسن ما يمكن أن يحققه تعهُّده بالعودة في سادس مرة إلى المنطقة؛ رغبةً منه في إجلاس الرئيس عباس ونتانياهو إلى طاولة مفاوضات مباشرة لأول مرة منذ سبتمبر 2010، وهو ما يجعله يدخل في سباق ضد الزمن إذا علمنا أن جون كيري يعمل على تحقيق قفزة نوعية على طريق المفاوضات قبل انعقاد الجمعية العامة الأممية، والتي توعدت السلطة الفلسطينية باستغلالها لرفع دعاوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية ضد حكومة الاحتلال بتهم انتهاكها للقوانين الدولية.