كيف أستثمر وقتي في رمضان؟ وما هي الطرق التي تمكنني من اقتصاد المال ليتسنى لي صوم الشهر الفضيل دون تبذير ولا اقتراض؟... هي انشغالات يعيشها المواطن عشية حلول الشهر الفضيل. وللإجابة عنها تحدثت ”المساء” إلى فارس مسدور دكتور بالاقتصاد الإسلامي، الذي كشف عن جملة من الحقائق الاقتصادية حول تضييع الوقت، وكيفية تحقيق التوازن بين المال والوقت، ليتمكن المواطن من الصوم في ظروف مريحة. استهل الدكتور فارس كلامه بحديث لنبي الله عليه الصلاة والسلام فقال: ”نظرَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشمسِ عند غروبِها فقال: ”لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضَى منه». رواه أحمد ونفهم من هذا الحديث النبوي الشريف، يقول الدكتور فارس، أن اقتصاد الوقت لا يُطرح في رمضان فقط وإنما ينبغي أن يكون طيلة أيام السنة، بالنظر إلى قيمته العظيمة في الإسلام، ودليل ذلك أن الآيات والأحاديث التي تبين قيمة الوقت كثيرة، ما يعني أن كل لحظة يعيشها الإنسان يُفترض أن يكون لها معنى وهدف. وبحكم أن شهر رمضان يعد من بين أهم المحطات التي يتدرب فيها المسلم أكثر على احترام الوقت وتقدير قيمته، أعتقد يضيف ”أن الاجتهاد في العبادات خاصة الصلاة جماعة، تُعد من أبرز طرق استثمار الوقت في شهر الصيام، ولعل ما يغفل عنه الناس هو أننا سنُسأل عن الوقت يوم القيامة، لذا لا بد لنا من أن ندرك جيدا قيمته، لنعرف كيف نستغله في أمور مفيدة”؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك). رواه النسائي وفي حديث آخر يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ )”. أخرجه البخاري «والمتأمل في حجم الوقت يقول الدكتور فارس الذي نضيّعه كل يوم قد يندهش عندما يعي بأن تضييع ساعة واحدة قد يكون له الأثر البالغ على حياته. ولتبسيط الأمور إليكم هذه العملية الحسابية: فرضا أن عمرك 30 سنة فلتعلم أن من 18 إلى 30 سنة هناك فارق 12 سنة، فلو أنك تضيّع ساعة في اليوم معنى هذا أنك ضيعت 365 ساعة في السنة؛ أي ما يعادل: 15.20 يوما يقابله ضياع أكثر من نصف شهر في سنة واحدة، فهل تدري كم تضيع من الوقت بهذه الطريقة؟ أي ما يعادل 4380 ساعة، أي 175.2 يوما، يقابله 5.84 شهرا، الأمر الذي يدعونا إلى وجوب الوقوف عند قيمة الوقت وبحث سبل استثماره في أمور دينية مفيدة. وبالعودة إلى الحديث عن أهمية الوقت في رمضان أعتقد يقول محدثنا أنه لو يضيع الإنسان كل يوم ساعة واحدة فقط من وقته فإنه سيكون أمام ثلاثين ساعة لكل فرد راشد، وعندما نتأمل حجم هذه الساعة مقارنة بالدولة، نكتشف أن الأمر يتعلق بنظرة كلية للمجتمع وليس نظرة أحادية. ففي ثلاثين يوما من رمضان قد يضيع كل صائم 30 ساعة، وفرضا أن نصف عدد الأفراد في الجزائر يجب في حقهم الصوم نكتشف أهمية التحليل الذي نحن بصدد البحث فيه؛ أي أن مجموع السكان الصائمين ضيعوا في رمضان ما يعادل 30 ساعة، ما يعني أننا نضيع 61634 ساعةخلال العام، وهذا فقط بتضييع ساعة واحدة دون أي استفادة منها في شهر واحد في السنة، هو شهر رمضان. ولنتخيل أن حجم هذه الأيام تصبح أموالا، وأن ما يعادلها من ساعات ضائعة هو مال، فكم حجم الأموال التي تضيع للأمة نتيجة ساعة واحدة؟ انطلاقا من هذه الإشكالية تظهر أهمية الحفاظ على الوقت. لا تقل أهمية الحفاظ على الوقت عن أهمية الاقتصاد في المال شأنا، حسب الدكتور فارس، الذي قال: ”عندما نتأمل وضعنا المالي في رمضان نكتشف بأن التضييع لا يطال الوقت فقط وإنما يطال المال أيضا، فالعائلات تتفنن في تبذير المال في رمضان! وقد نُهينا عن ذلك في كافة أشهر السنة وليس في رمضان فقط، ونحن الآن مطالبون بالنظر بعمق في تضييع ثروات الأمة عن طريق تبذيرها وتبديدها، الذي تحوّل إلى تقليد نحييه في هذا الشهر المبارك. ولتبسيط الصورة أكثر، استعرض الدكتور فارس عملية بسيطة، يفهم من خلالها المواطن مقدار المال الذي يبذره، حيث قال: ”لنفترض أن كل عائلة في شهر رمضان ترمي في المزابل ما يعادل ربع خبزة، ولنفترض أن عدد العائلات الجزائرية 7 ملايين عائلة، يعني أننا نفقد في اليوم الواحد 4 ملايين خبزة يوميا في مزابلنا، أي ما يعادل 472.5 مليون دينار مال ضائع بربع خبزة فقط، هذا دون الحديث عن المأكولات التي تُرمى نتيجة التبذير! ولنفترض أيضا أن كل عائلة ترمي ما يعادل 100 دج أكل في المزابل، أي 700 مليون دينار يوميا؛ ما يعادل 21 مليار دينار شهريا؛ أي ما مجموعه بما فيه تبذير الخبز، 21.5 مليار دينار، وهذه أموال طائلة، كان يُفترض أن نحافظ عليها في شهر الخيرات عوض أن يكون مآلها الرمي نتيجة التبذير”. خلص محدثنا إلى جملة من التدابير ينبغي للمواطن الحرص عليها في شهر رمضان وعلى مدار السنة؛ حفاظا على الوقت واقتصادا للمال، ومنها تنظيم الوقت في رمضان وفي غير رمضان، ليتحول إلى عادة حميدة وسلوك اجتماعي متحضر، واعتبار شهر رمضان مدرسة للتدريب على احترام الوقت وعدم تضييعه فيما لا ينفع الإنسان، إلى جانب محاولة الاستفادة قدر المستطاع، من حلقات الذكر ومراجعة الذات حتى يصحح الإنسان أخطاءه؛ أي استثمار الوقت الضائع في مراجعة النفس ومحاسبتها، والتأكيد على وضع ميزانية تقديرية محكمة لنفقات الفرد والأسرة في رمضان وترشيدها بما يتوافق ومداخيل الأسرة، دون أن ننسى اعتماد سياسة الاقتصاد في النفقة لتجنب التبذير والإسراف في المال. وعموما، لكل مواطن طريقته في تسطير هذه السياسة الاقتصادية، غير أن الأهم هو تجنب اقتناء ما يزيد عن الحاجته؛ لأنه السر وراء تحقيق الاقتصاد الحقيقي، وتحديدا في شهر رمضان، يقول الدكتور فارس مسدور.