أربع نساء يُردن الثوب نفسه، فلم لا يتقاسمن لباسه؟ ولم هذه الرغبة الجامحة في ارتدائه؟ هل ليخبئن عوراتهن النفسية أم يبتغين إحراز مكانة في المجتمع، حيث يُحكم بالمظاهر؟.. هي أسئلة حاول مخرج مسرحية «الفستان الأبيض» الإجابة عنها بالمسرح الوطني الجزائري. بعد أن عرضها في أكثر من فضاء، تحط «الفستان الأبيض» في شهر رمضان بالمسرح الوطني الجزائري، وهي من إخراج عبد الكريم بريبر، أعاد كتابتها ياسين زايدي عن امحمد بن قطاف الذي اقتبسها عن مسرحية «البدلة البيضاء» لراي براد بوري. تحكي المسرحية قصة أربع شابات يعشن مشكلة السكن والتهميش، لكن هذا لا يمنعهن من الحلم بحياة أفضل، ولم لا محاولة تملك الشيء القليل الذي قد يدخل الفرحة إلى القلوب، وهكذا خطر على بال «التشيبة» اقتناء فستان أبيض جميل ترتديه بالتناوب مع كل من «الفاهمة» و»لاستار» وطبعا بجمع أموال المشاركات في ارتداء هذا الثوب. وتتفق النسوة الثلاث على شراء الثوب، إلا أنهن لا يتمكن من جمع المال اللازم المقدر بثمانية آلاف دينار، فيقررن وبامتعاض، إشراك «بينازة» في الأمر، الشابة المتشردة التي تعشق الوسخ وتمقت النقاء، كما أنها تعاقر الخمر والتدخين، إلا أنّ روحها خفيفة وطرافتها لا تحدها حدود. وهكذا تشتري الفتيات الفستان الأبيض الجميل الذي «يشعل شعيل» ويقررن ارتداءه بالتناوب لمدة ساعة لكل واحدة منهن، والبداية ب»تشيبة» (صاحبة الفكرة) التي ترتدي الثوب الجميل وتخرج إلى الشارع علها تكسب رجلا أو يُفتح لها باب آخر، وها هي تلتقي برشيد، فهل يعجبها؟ ربما، ولكن الساعة مضت وحان دور «الفاهمة» التي ترتدي الثوب وتلقي خطابا أمام «الأمة» حول دور اللباس في تزييف المظاهر وإخفاء الباطن، في حين رقصت «لاستار» (النجمة) مع ثلاثة رجال، وحينما أتى دور «بينازة»، ألزمتها الفتيات على الاستحمام وفرضن عليها شروطا حتى تحافظ على الثوب، ومن بينها عدم ارتياد الملاهي أو التدخين. إلا أنّ بينازة «المطيارة» لم تسمع التعليمات وذهبت مباشرة إلى ملهى ورقصت وشربت الخمر إلى حين وصول الأخريات اللواتي نهرنها، فقامت بافتعال شجار كبير انتهى بإصابتها، إلاّ أنّ الفستان ولحسن حظ الجميع لم يلحقه أي ضرر، لتنتهي المسرحية بتأكيد صداقة الفتيات اللواتي جمعهن فستان واحد بمقاس واحد وبيت واحد (بيت تشيبة)... وخاصة علاقة وطيدة لا تنكسر مهما كان. للإشارة، تضمّنت مسرحية «الفستان الأبيض» العديد من المشاهد الطريفة، خاصة من طرف الفنانة حجلة خلادي التي لعبت دور «بينازة»، كما غلب الفنان ياسين زايدي الضحك في أكثر من مشهد، وفي المقابل، حاول المخرج معالجة عدة مواضيع من خلال هذا العمل، من بينها تبجيل المظاهر عن طريق الحكم على الشخص من خلال ملابسه، وهكذا اشتهت الفتيات شراء فستان أنيق لتغيير نظرة المجتمع لهن، وهو ما يبرز كما ذكرنا سطحية نظرة الكثيرين. كما جاء في المسرحية، تبيان لحياة فتيات يعشن التهميش مثل الرجال، كما أبرز المخرج أيضا جزءا من حياة بعضهن، وبالضبط الحرية الكبيرة التي تعيشها بعض الفتيات، فلم يتوان في تسليط الضوء على نساء يتخذن طرقا غير مألوفة لديهن، مثل معاقرة الخمر والتدخين. مسرحية «الفستان الأبيض» من تمثيل حجلة خلادي، سالي، فطيمة شيخ، نبيلة ابراهيم، جعفر بن حليلو وياسين زايدي، الكوريغرافيا لنعمان محمد والسينوغرافيا لحمزة جاب الله.