تعرف العلاقات الجزائرية- التونسية، في المدة الأخيرة، حركية متواصلة، من خلال توافد مسؤولين تونسيين على بلادنا، في إطار تفعيل التعاون الثنائي في شتى المجالات، حيث يتضح أن زيارة وزير الخارجية التونسي، السيد عثمان جارندي، إلى الجزائر شهر رمضان الماضي قد أعطت دفعا جديدا للعلاقات الثنائية، لاسيما وأنها جاءت بعد الافتراءات التي أطلقتها بعض الأطراف التونسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ضد الجزائر، تتهمها فيها بضلوعها في تدهور الوضع الأمني في هذا البلد. غير أن التفنيدات التونسية الرسمية وزيارة جارندي إلى بلادنا سرعان ما وضعت حدا للغط المثار بخصوص هذه المسألة، في الوقت الذي أبدت فيه الجارة تونس استعدادها الدائم لتعزيز التعاون مع الجزائر، بل إن الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة المغاربية تفرض المزيد من التنسيق لمواجهة تحديات الإرهاب والجريمة المنظمة. وظهرت جليا إرادة تونس في عدم فسح المجال لأي محاولة لزعزعة العلاقات الثنائية في حين أنها تراهن على دور الجزائر في وضع حد لتنامي الإرهاب، الذي كثيرا ما يستغل الفوضى واللااستقرار من أجل تنفيذ مخططاته، بل كثيرا ما أشادت في هذا الخصوص بمستوى التعاون الأمني بين البلدين. وبلا شك، فإن استقبال الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، ووزير الخارجية، السيد مراد مدلسي، للمبعوثين الخاصين للرئيس التونسي، منصف المرزوقي، عدنان منصر وعزيز كريشان، يعد تأكيدا على الديناميكية التي أرستها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التونسي للجزائر، في الوقت الذي أكد فيه السيد سلال خلال استقباله للمبعوثين على استعداد الجزائر لتبني "جميع المبادرات الكفيلة بترقية التعاون وتعزيزه أكثر" مع تونس. وكان مصدر دبلوماسي قد أكد ل«المساء" أن الزيارة التي قام بها السيد عثمان جارندي لبلادنا، قد مكنت من وضع تصور ملموس للتعاون الأمني بين البلدين، من خلال تفعيل الآليات الكفيلة بالارتقاء بمستوى التعاون إلى الأهداف المنشودة، لاسيما أمام المرحلة الأمنية الصعبة التي تمر بها الجارة تونس. ويجمع متتبعون على أن التنسيق المكثف بين الجانبين في مجال التعاون الأمني لم يسبق أن شهد حركية كالتي يشهدها حاليا، بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تمر بها الحدود الشرقية، مما يستدعي يقظة كبيرة من الجانبين لإحباط كل محاولة لاختراقها من قبل الإرهابيين، وهو ما يتم فعليا في الفترة الحالية، حيث يتم الاتفاق على تعزيز آليات مكافحة الإرهاب والاستجابة للطلب التونسي بخصوص تقديم يد المساعدة لإفشال أهداف هذه الآفة العابرة للحدود. لاسيما وأن الجزائر ما فتئت تحذر من الإرهاب ولها خبرة طويلة في هذا المجال. وبالنسبة للجزائر، فإن الوقوف إلى جانب الجارة الشقيقة يعد واجبا بالنظر إلى الروابط الأخوية والتاريخ المشترك الذي يجمعهما، لكن دون تجاوز الخطوط الحمراء، مثلما سبق وأن أكده وزير الخارجية، السيد مراد مدلسي، في الندوة الصحافية التي جمعته بنظيره التونسي، انطلاقا من مبدأ الجزائر الثابت في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. من جهته، يرى الطرف التونسي أن المصلحة تقتضي تعزيز العلاقات مع الجزائر وليس تأجيجها مثلما حاولت تلك الأطراف توريط الجزائر في الشأن التونسي من خلال إطلاق تلفيقات لا أساس لها من الصحة. وفي المقابل، ذهبت تصريحات الجانبين إلى دحض هذه الافتراءات من خلال تبني رؤية مستقبلية للتعاون، وتشيد في الوقت ذاته بمسيرة التعاون الثنائي، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الأمني الذي يحظى بأولوية في إطار ضمان استقرار وأمن المنطقة، حيث كان السيد مدلسي قد أشار إلى أن الأحداث التي عرفتها إحدى المناطق التونسية قرب الحدود الجزائرية أثبتت أن التعاون الأمني "موجود وحقق نتائج مرضية"، مؤكدا أن الطرفين سيعملان على "تنويعه وتقويته نظرا للظروف التي تعيشها تونس". أما موقف الجزائر من الأزمة التونسية، فكثيرا ما اتسم بالحياد، مؤكدة في عدة مناسبات رفضها تدخل الجيش الجزائري مباشرة في الميدان لمساعدة القوات التونسية ضعيفة التسليح في القضاء على مجموعات إرهابية تختبئ على الحدود المشتركة بين البلدين، حيث أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية في تصريح سابق أن الجزائر تساعد تونس في مجال المعلومات وتقوم بتعزيزات أمنية على حدودها الشرقية، مع تشديد المراقبة على كل التحركات المشبوهة بالمنطقة.