أكد مصدر دبلوماسي مسؤول ل«المساء" أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التونسي، السيد عثمان جارندي،للجزائر، مؤخرا، قد مكنت من وضع تصور ملموس للتعاون الأمني بين البلدين، من خلال تفعيل الآليات الكفيلة بالارتقاء بمستوى التعاون إلى الأهداف المنشودة لاسيما أمام المرحلة الأمنية الصعبة التي تمر بها الجارة تونس. وأوضح المصدر في تصريح ل«المساء" بخصوص زيارة الوزير التونسي لبلادنا يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين والنتائج التي أثمرتها ميدانيا، أن التنسيق المكثف بين الجانبين في مجال التعاون الأمني لم يسبق له أن شهد حركية كالتي يشهدها حاليا، بالنظر إلى التحدي الذي أصبح يفرض نفسه أمام تنامي ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود، مستدلا في هذا الإطار بالعملية الأخيرة التي شهدتها الحدود الشرقية. وقال المصدر إن خبراء البلدين يعكفون منذ أشهر على تعزيز آليات مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن ذلك جاء بطلب تونسي، في حين أن الجزائر لم تتردد في تلبية احتياجات هذا البلد الشقيق الذي يكتسي أهمية بالنسبة للجزائر، بل ذهب إلى التأكيد بأنه من "واجبنا أن نقف إلى جانب هذا البلد الجار(...)، فمثلما كان سندا للثورة التحريرية، فإن الجزائر أيضا من واجبها أن تقدم المساعدة إن كان بمقدورها ذلك لا سيما في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها هذا البلد لكن دون التدخل في الشؤون الداخلية الذي يعد مبدأ ثابتا في السياسة الخارجية للجزائر". من جهة أخرى، أوضح المصدر أن زيارة جارندي للجزائر أسكتت محاولي زعزعة استقرار العلاقات الثنائية، حيث لم يتجرأ أي أحد على التطاول على هذه العلاقات لاسيما بعد أن فندت تونس رسميا ما روجته هذه الأطراف من تلفيقات للجزائر. بل إن هذه الأطراف أدركت –حسب المصدر- بأن مصلحة تونس تقتضي أن تعزز علاقاتها مع الجزائر وليس تأجيجها، كما أن تصريحات وزير الخارجية التونسي خلال الندوة الصحافية التي عقدها بمعية وزير الخارجية السيد مراد مدلسي أكدت الموقف الرسمي لتونس إزاء هذه القضية وبالتالي سحبت البساط من تحت أرجل محاولي الاصطياد في المياه العكرة. وإذ أشار إلى العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر بسبب الإرهاب الهمجي وإصرار العديد من الدول بما فيها الشقيقة على إدارة الظهر لما كان يحدث في الجزائر التي وجدت نفسها وحيدة في مواجهة الظاهرة، فإن مصدرنا أكد بأن الجزائر ما فتئت تحذر من الإرهاب، مضيفا في هذا السياق بأنه بالنظر إلى الخبرة الطويلة للجزائر في هذا المجال، فإنها لن تبخل في الوقوف إلى جانب الدول التي تعاني من الظاهرة دون تخطي الخطوط الحمراء أو المساس بسيادة الدول. وقد سمحت زيارة العمل التي قام بها وزير الخارجية التونسي لبلادنا بتقييم مسيرة التعاون بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الأمني الذي يحظى بأولوية في إطار ضمان استقرار وأمن المنطقة. وقد كانت هذه الزيارة فرصة للوزير التونسي لتبادل الآراء والتشاور مع عدد من المسؤولين الجزائريين وعلى رأسهم الوزير الأول السيد عبد المالك سلال حول عدة قضايا تخص العلاقات بين الجانبين. وفي هذا السياق، أشار السيد مدلسي إلى أن الأحداث التي عرفتها إحدى المناطق التونسية قرب الحدود الجزائرية أثبتت أن التعاون الأمني "موجود وحقق نتائج مرضية"، مؤكدا أن الطرفين سيعملان على "تنويعه وتقويته نظرا للظروف التي تعيشها تونس". وبدوره، كان وزير الخارجية التونسي قد أوضح أن زيارته إلى الجزائر "تبين مدى متانة العلاقات القائمة بين البلدين في جميع المجالات" وكذا حرصهما على المحافظة على العلاقات الثنائية الطيبة بينهما، كما اغتنم هذه الزيارة لاستنكار ما جاء من ادعاءات وافتراءات ضد الجزائر في بعض وسائل الإعلام". وكانت بعض الأوساط في تونس أطلقت تصريحات عبر قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية تحمل فيها الجزائر مسؤولية تدهور الوضع الأمني في هذا البلد بعد أحداث العنف والاغتيالات التي عرفتها تونس مؤخرا. وذلك في الوقت الذي أدانت فيه الجزائر بشدة هذه الادعاءات "الكاذبة والمغرضة" الصادرة عن بعض الأوساط التونسية. وكثيرا ما اتسم موقف الجزائر بالحياد إزاء الأزمة التونسية، مؤكدة رفضها تدخل الجيش الجزائري مباشرة على الأرض لمساعدة القوات التونسية ضعيفة التسليح في القضاء على مجموعات إرهابية تختبئ على الحدود المشتركة بين البلدين، حيث أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية في تصريح سابق أن الجزائر تساعد تونس في مجال المعلومات وتقوم بتعزيزات أمنية على حدودها الشرقية، مع تشديد المراقبة على كل التحركات المشبوهة بالمنطقة. ولم يعد الطلب التونسي لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب يقتصر على الموقف الرسمي، بل امتد إلى الشارع التونسي عبر استطلاع للرأي قامت به قناة "الآن" الإماراتية، عقب التصريحات المغالطة التي أصدرتها جهات تونسية عقب اعتداء الشعانبي. وأظهر الاستطلاع ترحيبا كبيرا للتونسيين حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر عبر الوسائل التي تمتلكها في هذا المجال، استنادا إلى تجاربها الكبيرة في مكافحة الإرهاب، مؤكدين أنها تعد طرفا يستحق الثقة في مكافحة الخطر الإرهابي. وعلى الاتجاه نفسه، لم يبد مواطن تونسي آخر قلقه في حال تدخلت الجزائر عسكريا بصفة مباشرة ضد الجماعات المتطرفة في تونس، مشيرا إلى أنها بلد جار ويحترم السيادة الوطنية ولا يستغل التوترات الحاصلة هناك من أجل تنفيذ مشاريعه على عكس الدول الكبرى التي يمكن أن تصطاد في الماء العكر. فمثل هذه التصريحات الإيجابية تجاه الجزائر تؤكد أن الشارع التونسي بعيد كل البعد عن التلفيقات التي حاولت بعض الجهات التونسية ترويجها مؤخرا التي أرادت منها تسميم العلاقات بين البلدين الشقيقين لولا التعقل الذي أبداه الطرفان على المستوى الرسمي.