تقاطعت غالبية مداخلات أعضاء مجلس الأمة في مناقشتهم أمس لمشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، عند تثمين الأحكام المتضمنة في المشروع الجديد، والتي جاءت لتعزز المستوى التكويني والتأهيلي للمحامين وتضمن حقوق الدفاع عن المتقاضين، ومن ثمة ترقية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. فيما أكد وزير العدل، حافظ الاختتام، السيد الطيب لوح، بأن منظومة العدالة في الجزائر بحاجة إلى دفاع قوي وحر ومستقل لدعم السلطة القضائية، معلنا عن فتح سلسلة من الورشات لاستكمال محاور إصلاح العدالة ودعم آليات استقلالية السلطة القضائية وتكييف المنظومة التشريعية مع المستجدات. وأشاد معظم المتدخلين في الجلسة العلنية التي ترأسها السيد عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، وحضرها الوزير المكلف بالعلاقات بين الحكومة والبرلمان، السيد محمود خوذري، بتكفل النصوص الجديدة التي أدرجت ضمن المشروع، سواء تلك التي اقترحتها الوزارة الوصية أو التعديلات التي أدخلها نواب المجلس الشعبي الوطني، خلال مناقشتهم للنص في الدورة الربيعية الماضية، بالنقائص التي ميزت القوانين السابقة التي كان يعمل بها لضبط مهنة أصحاب الجبة السوداء، بما فيها القانون 04/ 91 الصادر في سنة 1991 والذي يعتبر آخر قانون ينظم المهنة، غير أن ذلك لم يمنع نزلاء الغرفة البرلمانية العليا من توجيه بعض الملاحظات، حول ما اعتبره بعضهم ثغرات لم يسدها المشروع بشكل واضح، على غرار عدم تحديد طبيعة مبدأ التنافي بين ممارسة مهنة المحاماة والتدريس في الجامعة في مجالات محددة، على غرار مجال القانون وكذا عدم تقليص مدة التكوين، لتمكين المحامي من الشروع الفعلي في ممارسة المهنة، فضلا عن عدم توضيح كيفيات فض النزاعات التي تحصل بين المحامي والمتقاضين، وحلحلة وضعية الجلسات التي تعرف أطوارها أحداثا تؤدي على توقيفها وتأجيلها. وفي وقت رافع فيه الكثير من أعضاء مجلس الأمة المتدخلين في جلسة المناقشة، لصالح ترقية دور المحامي وتنمية قدراته، وجعله شريكا حقيقيا للقاضي في مهام الدفع بأداء قطاع العدالة، لم تتوان السيناتور زهرة غراب عن الكشف عن الصورة القاتمة التي أصبحت تطبع مهنة المحاماة في بلادنا، بفعل الممارسات السلبية الصادرة عن بعض المحامين. وقالت السيدة غراب في هذا الإطار إن "المحامي في وقتنا الحالي أصبح تاجرا، يتاجر بآلام وهموم المتقاضين"، واعتبرت بأنه من حق الدولة أن تضع قانونا يضبط مهنة أصحاب الجبة السوداء "ويحد من جشع بعض المحامين"، متسائلة عن مبررات مطالبة المحامين بإعانات من قبل الدولة وخاصة في مجال توفير البرامج السكنية، في الوقت الذي يمارس هؤلاء مهنة حرة. وسعى وزير العدل حافظ الأختام، السيد الطيب لوح، رغم حداثة توليه للمنصب، إلى الرد على أكبر قدر من الانشغالات المعبر عنها من قبل أعضاء مجلس الأمة، مستهلا إجابته بالإعلان عن سلسلة من الورشات التي يستعد القطاع لفتحها في إطار استكمال محاور البرنامج الإصلاحي الذي أقره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2000، بهدف دعم آليات استقلالية السلطة القضائية وتكييف المنظومة التشريعية الوطنية للقضاء مع المتغيرات الحاصلة على المستوى العالمي، كاشفا في هذا الإطار، عن فتح القطاع لورشة تحسين وترقية الأوامر والأحكام والقرارات القضائية، وأخرى لتكريس مبدأ قرينة البراءة وورشة ثالثة لإعادة النظر في إجراءات الحبس المؤقت وجعله استثناء، وورشة رابعة لتدعيم الاجتهاد القضائي وتوحيده لدى المحكمة العليا ومجلس قضاء الجزائر، مع تمكين القضاة في مختلف ربوع الوطن من الإطلاع عليه لدى الهيئتين المذكورتين. وفي سياق الإجابة عن الأسئلة التي أثارها ممثلو الشعب، أوضح السيد لوح، أنه بالنسبة للجانب المتعلق بالأعباء المالية والأتعاب التي يقدمها المتقاضون للمحامين، سيتم مناقشتها وضبط مختلف الجوانب المرتبطة بها في ورشة تدرس نصوص قانون الأحكام الجزائية والمدنية، كما سيتم بعث ورشة أخرى لاستكمال مسار تنمية وتثمين الموارد البشرية للقطاع وتحسين آداء القضاة، مع عصرنة المناهج المعتمدة في المدرسة العليا للقضاء. وفي نفس السياق، ذكر الوزير بأنه ضمن أهداف تحسين آداء كل الشركاء في قطاع العدالة، جاء اقتراح مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة بإنشاء مدرسة وطنية ومدارس جهوية للمحاماة. وأشار بالمناسبة، إلى أن المادة 34 من النص الجديد تنص على أنه من شروط الالتحاق بمهنة المحاماة الحصول على شهادة الليسانس في الحقوق أو شهادة معادلة، موضحا في هذا الخصوص بأن مهمة معادلة هذه الشهادة تعود لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وفيما اعتبر أخلاقيات مهنة المحامي لا يمكن حصرها في نصوص قانونية، وإنما تحددها أيضا الأعراف والتقاليد والممارسة الميدانية، أشار السيد لوح إلى أن الحوادث التي تحدث أثناء الجلسات بين هيئات الدفاع والقضاة، هي حوادث نادرة ويمكن متابعتها ميدانيا وفرض تقاليد في الممارسة تحد منها، بينما قدر المتحدث بأن الخلاقات التي تقع بين المحامي والمتقاضي بسبب قيمة الأتعاب، يمكن الفصل فيها وحلّها من خلال اللجوء إلى التقاضي. وبدا من خلال رد السيد لوح عن طلب بعض أعضاء مجلس الأمة الداعين إلى التخفيف من إجراءات التنافي بين مهنة المحامي والعهدة البرلمانية، رفضه لليّ الذراع لهذه الفئة، حيث أشار إلى أن مبدأ التنافي هو مبدأ منصوص عليه في قانون خاص بهذا المبدأ. مضيفا بأن عضو مجلس الأمة أو النائب في البرلمان له صلاحيات يمارسها، ولا يمكن بالتالي تركه يمارس أي مهنة يقع فيها التنافي وقد تضر ببعض المصالح،". كما أشار الوزير في الأخير، إلى أنه من ضمن مميزات النص الجديد الذي ينظم مهنة المحاماة، تمكين المحامين الجزائريين من العمل بالتعاون مع نظرائهم الأجانب، موضحا بخصوص إمكانية تمكين المحامين الأجانب من الدفاع عن قضايا أمام المحاكم الأجنبية، إلى أن هذا الإجراء يتم ضبطه وتنظيمه بموجب الاتفاقيات التي تبرمها الجزائر مع الدول، سواء في شكل ثنائي أو في إطار الهيئات الإقليمية والدولية. للإشارة، فإن مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة سيطرح للمصادقة عليه من قبل أعضاء مجلس الأمة في جلسة عامة تعقد غدا الأربعاء.