بدأت أمس السبت بالعاصمة الفيتنامية هانوي، مراسم تشييع الجنرال الفيتنامي الراحل فو نغوين جياب، حيث ألقى عدد من القادة والمسؤولين المحليين والدوليين النظرة الأخيرة على جثمان آخر أبطال استقلال البلاد، الذي وافته المنية الأسبوع الماضي عن عمر يناهز ال102 عاما. وقد طبعت مراسم التشييع بحضور كبار القادة والمسؤوليين الفيتناميين، على غرار الرئيس فرويونغ تان سانغ والوزير الأول نغوين تان دونغ، الذين ألقيا النظرة الأخيرة على جثمان الجنرال مع بداية مراسم التشييع. وإلى جانب القادة المحليين، طبعت مراسم التشييع - التي ستدوم يومين - بحضور عدد من المسؤوليين الدوليين، ومثل الجزائر في هذه المناسبة الأليمة، وفد سياسي وعسكري برئاسة وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، بتكليف من رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة. وكانت السلطات الفيتنامية قد أعلنت عقب وفاة الجنرال، بأنها ستقيم خلال مراسم التشيع حفلا مهيبا يدوم يومي السبت والأحد 12 و 13 أكتوبر الجاري. وكان مئات الآلاف من الفيتناميين قد توافدوا على مسكن الجنرال جياب في العاصمة هانوي، حيث سجي جثمانه وعلى معسكرات الجيش في طول البلاد وعرضها من أجل التعبير عن تعازيهم بوفاته، ومن المقرر أن يحمل موكب كبير جثمان الجنرال جياب اليوم الأحد من هانوي إلى مسقط رأسه في بلدة كونغ بينه، حيث سيوارى الثرى. وقد وضعت صورة كبيرة للجنرال جياب والأوسمة التي حصل عليها فوق نعشه المسجى بالعلم الفيتنامي، ووقفت ثلة من الجنود بالاستعداد، بينما ألقى كبار المسؤولين نظرتهم الأخيرة على النعش، في حين وقفت أسرة الجنرال جياب إلى جانب النعش في القاعة. وكانت الأعلام المرفوعة خارج نصب هو شي منه مؤسس دولة فيتنام الحديثة، قد نكست أول أمس الجمعة إيذانا ببدء فترة الحداد الرسمية على وفاة الجنرال جياب والتي حددت بيومين. وبوفاة الجنرال جياب، تكون فيتنام قد فقدت آخر أبطال استقلالها رمز معركة "ديان بيان فو" الشهيرة ضد الاحتلال الفرنسي وقاهر الاحتلال الأمريكي. فقد كان الجنزال اسما على مسمى، فلقبه "فو" يعني بالفيتنامية "القوة"، بينما يعني اسمه الأول "جياب" "الدرع الجبار". ولم يحصل جياب الذي كرس حياته للنضال في صفوف الحزب الشيوعي على أي تعليم عسكري رسمي، لكنه تمكن من أن يصبح مفكرا استراتيجيا لامعا هندس انتصارات مشهودة ضد قوى تفوق بكثير القوات الفيتنامية عدة وعتادا. ولد جياب عام 1911 في إقليم كوانغ بينه وسط فيتنام، التي كانت آنذاك مستعمرة فرنسية لوالد فلاح كان يعمل في زراعة الرز ظاهرا، إلا أنه كان ناشطا ضد الاستعمار الفرنسي للهند الصينية الذي بدأ عام 1800، وشارك في العديد من الانتفاضات ضد الاستعمار سجن على إثرها في عام 1919 إلى أن توفي في السجن. أصبح جياب عام 1938 عضوا في الحزب الشيوعي في الهند الصينية (الاسم الاستعماري الفرنسي لفيتنام) الذي أسسه هو شي منه. وقام هو بعد ذلك بتأسيس تحالف فييت منه المكرس لإنهاء الحكم الفرنسي لفيتنام، غير أن السلطات الفرنسية حظرت الحزب الشيوعي في الهند الصينية (الذي شمل فيتنام ولاوس وكمبوديا)، مما أجبر العديد من ناشطيه وكوادره على مواصلة عملهم سرا، وفي تلك الفترة، لجأ هو شي منه وغيره من زعماء الحزب إلى الصين، حيث واصلوا عملهم هناك. ويعتبر جياب بطل الاستقلال في فيتنام، بعد أن تمكن بفضل تكتيكات حرب العصابات من هزم الجيش الفرنسي عام 1954 في معركة ديان بيان فو، والجيش الأمريكي عام 1975 وإعادة توحيد البلاد المنقسمة. وقد شغل منصب نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع من 1975 حتى 1980. وتوفي البطل الأسطوري الفيتنامي الجنرال فو نغوين جياب الجمعة الماضية، عن عمر ناهز 102 عام. وقد كان للجنرال الراحل عدة محطات دولية خلال مساره النضالي والسياسي، من بينها الجزائر التي لطالما عبر عن إعجابه بثورتها المجيدة، والذي جمعته علاقة صداقة بقادتها فزارها مرتين. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال برقية التعازي التي بعث بها إلى نظيره الفيتنامي اسم الجنرال جياب "سيظل إلى الأبد منقوشا في ذاكرة الشعب الجزائري"، مشددا على أن "ما أبلاه الرجل من بلاء حسن من أجل استقلال بلاده ثم من أجل توحيده، لهو رصيد لا يقدر بثمن ستحرص الأجيال الفيتنامية الحالية والآتية على الضن به والحفاظ عليه". واعتبر رئيس الجمهورية بأن "رحيل شخصية من هذا الحجم هي بحق خسارة، لكن عندما يتماهى مصير إنسان قام بواجبه مع أعظم مراحل تاريخ وطنه، إن هذا الإنسان يبقى حاضرا خالدا في ذاكرة شعبه وذاكرة كل من عرفوا قدره وبجلوه كرمز من رموز الشجاعة والاستقامة"، مؤكدا بأن "الجزائر والشعوب التي تدري ما هو ثمن الاستقلال والتحرر تقف اليوم وقفة خشوع وإجلال لروح الجنرال جياب وتشاطر الشعب الفيتنامي في تبجيله". ومن جهته، وصف الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، خلال تقديمه التعازي بمقر سفارة فيتنام بالجزائر الجنرال ب«العسكري المحنك الذي سيبقى مثالا يحتذى في مجال الكفاح من أجل الحرية والاستقلال"، داعيا الفيتناميين إلى الحفاظ على الرصيد الثري الذي خلفه الراحل جياب. وقد كلف رئيس الجمهورية وفدا سياسيا وعسكريا برئاسة وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، لحضور مراسم تشييع جنازة الجنرال جياب التي بدأت اليوم بهانوي (فيتنام).