لم يزد الخطاب الأخير للعاهل المغربي محمد السادس سوى تعقيد للوضع بخصوص قضية الصحراء الغربية واحترام حقوق الإنسان، بشكل يوحي بأن الرباط قد فقدت البوصلة ودخلت في مرحلة هذيان أعمى بصيرتها، لدرجة أنها أرادت أن تلصق التهم الموجهة لها بخصوص عدم احترام حقوق الإنسان بغيرها في خرجة تؤكد للمرة الألف أن المخزن يتمسك بسياسة الهروب إلى الأمام. كما كان منتظرا، لم يمر خطاب "الملك الشاب" دون إضافة توابل لم تنجح في إضفاء النكهة المنتظرة لوصفة مألوفة فاشلة بل زادتها حموضة ومرارة، حيث أخطأت السياسة المغربية مرة أخرى في إصابة الهدف من خلال الإشارة، بصفة ضمنية، إلى الجزائر عقب الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى ندوة ابوجا بخصوص دعم الشعب الصحراوي. ويطرح تصريح العاهل المغربي العديد من التساؤلات بخصوص الاتهامات التي وجهها للجزائر بخصوص انتهاك حقوق الإنسان في سياق إبعاد التهم عنه، رغم أنه المعني الأول بهذه الانتهاكات مثلما تؤكده العديد من التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، التي دقت ناقوس الخطر إزاء الأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب الصحراوي. ولم يبتعد خطاب العاهل المغربي عن الحملة العدائية التي أطلقتها أبواقه عقب دعوة الجزائر لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، بل التقت مرة أخرى عند نقطة التهور الذي لم يطل الجزائر لوحدها، بل أيضا ضرب مصداقية المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، في مسعى يريد الملك المغربي من خلاله الإيهام بأن هذه المنظمات تتغاضى عن هذه الانتهاكات في مناطق دون أخرى. والواقع أن خرجة محمد السادس لم تثر الاستغراب كونها كررت النظرة الضيقة في التعاطي مع الأمور لاسيما فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، بل إنها تفتقد للنضج الذي يفترض أن يتحلى به الموقف المغربي عقب حملة شرسة أخطأت الهدف في كل الاتجاهات، لكن يبدو أن المخزن لا يريد الاستفادة من أخطائه بل فضل تكرارها هذه المرة على أعلى مستوى بشخص الملك نفسه. ويعكس هذا الخطاب الإحباط الذي تعاني منه دواليب الحكم في البلد الجار وعدم القدرة على إرساء رؤى استراتيجية بخصوص معالجة القضية الصحراوية التي تعرف مرحلة صعبة، في الوقت الذي يطرح السؤال حول دواعي رفض الرباط فكرة زيارة الوفد الاممي للاطلاع على وضعية حقوق الإنسان، وهو ما يغذي حقيقة الاتهامات الموجهة إليها وإلا ما كان رد فعلها بهذه الطريقة المتحاملة على الجزائر. وما كانت أن ترفض أصلا الحديث عن موضوع حقوق الإنسان في المنطقة وهنا لا نجد أفضل من المثل الشعبي القائل "اللي ما عندو التبن في كرشو ما يخاف النار". والواقع أن اتهامات الملك محمد السادس للجزائر لا تخرج عن نطاق تحويل الأنظار عن القضية الأساسية، كما أنها لا يمكن أن تجد أي صدى بحكم أن الجزائر ليس لها أي عقدة بخصوص موضوع حقوق الإنسان وسبق لها أن تعاملت مع منظمات دولية مهتمة بهذا الموضوع، إذ نتذكر جيدا استقبالها وهي في أوج الأزمة وفدا يتكون من شخصيات عالمية سنة 1999 بقيادة الرئيس الأسبق البرتغالي ماريو سواريس للاطلاع على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، إلى جانب الزيارات المختلفة التي قامت بها في السنوات الأخيرة الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء والتي كانت لها لقاءات مباشرة مع أعضاء من المجتمع المدني وشمل نشاطها عدة قطاعات عبر مختلف ولايات الوطن. ولا ننسى أيضا التقارير التي ترفعها مختلف المنظمات الوطنية إلى المنظمات الدولية التي تصدر تقاريرها الدورية عن وضعية هذه الحقوق في كل بلد. ولا نتفهم حساسية المخزن من موضوع مراقبة حقوق الإنسان في منطقة يفترض أنها محل نزاع كما أن قضية الصحراء الغربية مصنفة أمميا ضمن قضايا تصفية الاستعمار. وكان يفترض قبل أن يفكر في توجيه اتهامات لغيره أن يراجع أولا سياسته الدبلوماسية التي لطالما اعتمدت على كسب الود عن طريق دفع الرشاوى كما هو الشأن لنشاطاته على مستوى اللوبي الصهيوني بالكونغرس الأمريكي الذي يدفع له الأموال الطائلة مقابل منع تمرير لائحة لمراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، لاسيما وأن الأجندة الدبلوماسية لكاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية جون كيري تدرج هذا الموضوع. كما أن الوضع الذي آلت إليه الدبلوماسية المغربية يبرز عدم قدرتها على التكيف مع التطورات الحاصلة بخصوص القضية الصحراوية، في الوقت الذي تبين أن ما صرفته من أموال طائلة لم يجد نفعا ولم تحقق الهدف المنشود، مما يستدعي إعادة نظر معمقة في الآليات والذهنيات التي لم تظهر الكفاءة في تعاطيها مع الأحداث وكان آخرها الحملة العدائية غير المبررة ضد الجزائر. يأتي ذلك في وقت تسعى فيه الرباط إلى تدارك هفواتها باستغلال أوراق جيواستراتيجية جديدة تعتقد أنها ستخدم بشكل أو بآخر موضوع نزاع الصحراء الغربية، كما هو الشأن لدعوته إلى عقد ندوة أمنية حول الأمن على حدود دول الساحل، في سياق يؤكد مرة أخرى محاولات المخزن إيجاد منافذ جديدة للترويج لأطروحاته وهو الذي لا يتقاسم مع أغلبية هذه الدول الحدود، كما انه لا ينتمي إلى الاتحاد الإفريقي . وكما كان منتظرا لم يخرج خطاب العاهل المغربي دون أن يثير ردود أفعال منددة لمضامينه، حيث صرح رئيس اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي، محرز لعماري، أول أمس، أن المغرب يدفع بالمنطقة نحو ‘'الانفجار'' بتعنته في تكرار الخطاب الاستعماري فيما يخص الصحراء الغربية. وأوضح السيد لعماري في لقاء جمعه بوفد عن اتحاد الشبيبة الصحراوية على رأسه أمينه العام موسي سلامة أن السياسة الاستعمارية التي تخضع لها الصحراء الغربية ‘'والتي يؤكدها من جديد'' الملك محمد السادس في خطابه الأخير "لدليل على تعنت مملكة المغرب الاستعمارية في عدم الانصياع للشرعية الدولية وتشكل برهانا آخر على إرادة المغرب في عدم التعاون مع الهيئات الدولية''. وأكد في هذا السياق أن ‘'الاحتلال المغربي للصحراء الغربية يعد عقابا موجها لكل شعوب المنطقة والجوار، حيث انه يشكل تقهقرا يمس بتنميتها''، واصفا الحملة الإعلامية المغربية ضد الجزائر ب''عدوان مجاني وضجة اختلقها المخزن الذي ينبغي أن يصمت''. وذكر بالموقف المبدئي للجزائر في دعمها للقضايا العادلة وتمسكها بالشرعية الدولية في تسوية كل النزاعات، مضيفا ‘'أن الجزائر لقنت الحكومة المغربية وخاصة الملك درسا في الاحترام وحسن السيرة في العلاقات الدولية''. ومن جهته، استنكر الأمين العام لاتحاد الشبيبة الصحراوية وعضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساربو، السيد سلامة لعبيد، بهذه المناسبة، خطاب ملك المغرب الذي رفض من خلاله الانصياع للشرعية الدولية''، مؤكدا في هذا السياق تصميم وتمسك الشعب الصحراوي من خلال ممثله الشرعي الوحيد جبهة البوليساريو على ممارسة حقه في تقرير المصير وهو حق تضمنه الشرعية الدولية''.