"إحذروا إيران وثققوا في إسرائيل"، ليست هذه مقولة لشخصية عالمية حافظت على استمراريتها ولكنها مضمون رسالة التخويف التي حملها وزير الدفاع الأمريكي روبيرت غيتس الى العواصم الخليجية· هذه النصيحة الملفوفة بالتهديد التي حملها الرقم الأول في البنتاغون الأمريكي إلى الدول الخليجية جاءت بعد تعقبه لزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى العاصمة القطرية، حيث شارك في سابقة تاريخية في قمة دول مجلس التعاون الخليجي الثامنة والعشرين· ولم يفوت الرئيس الإيراني فرصة لقائه بنظرائه الخليجيين دون أن يعرض عليهم تعاونا استراتيجيا في مختلف الميادين في مسعى لطي صفحة العداء المستتر بين الدول العربية الخليجية وإيران، على خلفية الدور المهيمن الذي تريد أن تلعبه طهران على كل دول المنطقة بحكم قوتها الاقتصادية والعسكرية وحتى البشرية· والمؤكد أن العرض الايراني وتخفيف حدة التوتر مع الجيران العرب ماكان ليرضي الولاياتالمتحدة الحليف الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي اقتصاديا وعسكريا، التي بدأت ترى في تودد طهران باتجاه جيرانها بمثابة تهديد مباشر لمصالحها في كل منطقة الشرق الأوسط· ومهما تكن درجة التقارب والتفاهم بين إيران وجيرانها الخليجيين إلا أن واشنطن بدأت تبدي ريبة في قبول الدول الخليجية السماح لرئيس إيراني بالمشاركة في قمتهم الأخيرة وفي وقت ما انفكت الولاياتالمتحدة تلوح بمخاطر التهديد الإيراني عليهم· وأعاد غيتس بالعاصمة البحرينية أمس طرح فكرة إقامة مظلة عسكرية مضادة للصواريخ الايرانية تحميهم في حال اندلاع حرب خليجية جديدة· واستغل وزير الدفاع الأمريكي حضوره في منتدى نظم بالعاصمة البحرينية حول السلم والأمن الدوليين ليعدد المخاطر الايرانية مع تحميل النظام الايراني الحالي شتى أنواع الأوصاف التي صبت جميعها في التأكيد على تهديده للنظام الدولي وعدم ائتمان جانبه· والمفارقة في الطرح الأمريكي المروج للتهديد الإيراني أن غيتس قدم مقاربة خرجت عن المألوف الذي حكم العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط عندما راح يطمئن الدول الخليجية من إسرائيل ويوهمها أنها أقل خطراً من إيران· ويبقى هذا الطرح جديدا في كل المنطقة العربية ومناقضا للنزعة العسكرية الاسرائيلية ليس فقط من جانب ترسانتها التقليدية ولكن أيضا من مخزونها الضخم من القنابل النووية وكذا مخاطر السلامة الأمنية التي أصبحت مفاعلاتها المتآكلة في صحراء النقب تشكلها على أمن كل منطقة الشرق الأوسط· ويأتي اصرار وزير الدفاع ا لأمريكي على نعت إيران بأنها الخطر الحقيق على جيرانها وخاصة في ظل اصرارها على عدم التخلي عن برنامجها النووي في وقت دحض فيه تقرير لمختلف وكالات الاستخبارات الأمريكية صدقية التقارير التي يعدها البيت الأبيض حول درجة تقدم هذا البرنامج في طريق انتاج أول قنبلة ذرية إيرانية· وكان تقرير أعده عملاء ينتمون الى 16 جهاز استخباراتي أمريكي أكد في خلاصة عملية أن ايران تخلت منذ سنة 2003 عن نزعتها العسكرية في إطار هذا البرنامج المثير للجدل وجعلته واشنطن طيلة السنوات الثلاث الأخيرة محور سياستها في كل منطقة الخليج والشرق الأوسط· ووصف متتبعون مضمون هذا التقرير بأنه ضربة قاصمة لسياسة الرئيس جورج بوش تجاه ايران أحد أطراف قائمة "محور الشر" وخاصة من حيث توقيت الكشف عنه الذي تزامن مع استمرار تدني شعبية الرئيس الأمريكي أشهراً قبل موعد الرئاسيات الأمريكية في نوفمبر من العام القادم·