نعى قادة دول العالم ومنظمات دولية وشخصيات من كل أنحاء العالم بكل أسف، وفاة رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا؛ رمز النضال ضد نظام الميز العنصري "الأبرتايد". وذكّر الجميع بخصال الرجل الذي عاش حياته ومات من أجل قضية إنسانية، قد تبدو لأول وهلة خاصة بشعب جنوب إفريقيا، لكنها في مدلولاتها وانعكاساتها عالمية بامتياز. وتمت الإشادة بأفكار الزعيم الإفريقي وأسلوبه في الكفاح، الذي تَميّز بالدعوة الدائمة للسلم والسلام بعيدا عن كل أشكال العنف، وهو ما كلّفه قضاء جزء هام من عمره في السجن. اليوم وبعد رحيله فإن أيقونة السلام مانديلا، يترك وراءه إرثا هاما؛ لذا تم التأكيد على أن أفضل طريقة لإحياء ذكراه هي اتباع النهج الذي خلّفه في سبيل تحقيق العدالة والمصالحة والحرية والسلام لكافة شعوب العالم. ومنذ إعلان رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما رسميا عن وفاة نيلسون مانديلا ليلة أول أمس، توالت الردود والتصريحات من كل الدول ومن كل فئات المجتمع. ووجهت كل القنوات الإخبارية تغطياتها للحديث عن حياة الرمز ومسيرته النضالية، إضافة إلى نقل أهم ردود الأفعال، التي تراوحت بين التذكير بخصال الرجل والإعلان عن الحداد في الكثير من الدول؛ حزنا على أول رئيس أسود البشرة لجنوب إفريقيا.
جنوب إفريقيا تفقد أباها وصرح جاكوب زوما: "لقد خسرت أمتنا أعظم أبنائها، وفقد شعبنا أباه". وأُعلن عن الحداد وتنكيس الأعلام اعتبارا من الجمعة إلى غاية الانتهاء من مراسم الجنازة الرسمية. وذكر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم الذي ينتمي إليه الزعيم الراحل في بيان، "لقد أحب الحزبَ... وفقدت أمتنا قدوة عظيمة ونموذجا للتواضع والإنصاف والعدالة والسلام هنا وفي الخارج"، مضيفا: "حياته منحتنا الشجاعة على المضيّ قدما من أجل تحقيق التنمية والتقدم تجاه وضع حدٍّ للجوع والفقر". ومباشرة بعد إعلان وفاته تدفقت جموع من أبناء جنوب إفريقيا على مقر سكن أيقونة الكفاح ضد التمييز العنصري في جوهانسبرج؛ للتعبير عن بالغ حزنهم لوفاته؛ حيث اكتظت جميع الطرق المؤدية إلى منزل مانديلا بالمعزّين من كل فئات الشعب "بيضا وسودا"، وقام البعض بإيقاد الشموع على الأرض؛ حزنا على رحيل الرجل. وكما كان الحزن داخليا كان كذلك خارجيا؛ حيث حرص أبرز قادة العالم غربا وشرقا، على الترحم على روح الفقيد وإعلان الحداد والتذكير بمسيرة كفاح استمرت حتى آخر لحظة في حياة "ماديبا"، كما كان يسمى.
بان كي مون: مانديلا كان عملاقا في عمله من أجل العدالة حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن حزنه الشديد على رحيله، واصفا إياه بالعملاق في عمله من أجل العدالة. وقال: "إنني أشعر بحزن عميق لوفاة نيلسون مانديلا؛ فقد كان عملاقا في عمله من أجل العدالة، ومصدر إلهام إنساني متواضع". من جانبه، قطع مجلس الأمن الدولي جلسة كان يعقدها، ووقف جميع الأعضاء دقيقة صمت؛ حدادا على مانديلا. وألقى رئيس المجلس للشهر الحالي السفير الفرنسي جيرار أرو، كلمة قال فيها: "باسم أعضاء المجلس، أود أن أعرب عن أننا نشاطركم مشاعر الحزن، ونحن جميعا نشاطركم هذا الخبر السيئ بموت مانديلا. أنتم تعرفون أننا هنا ندافع عن القيم التي دافع عنها، وهي مبادئ العدالة والسلام".
أوباما: لن نرى أمثال مانديلا من جديد وأمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتنكيس العلم الأمريكي حتى غروب شمس يوم الإثنين؛ "إجلالا لذكرى نيلسون مانديلا". وأشاد أوباما بإرثه وإنجازاته، مشددا على أن الراحل الذي كان الأكثر شجاعة وتأثيرا على وجه الأرض، أنجز أكثر مما يمكن توقعه من أي رجل. وقال: "أنا أحد ملايين الأشخاص الذين استلهموا من حياة نيلسون مانديلا.. ومثل كثيرين على وجه الأرض، لا يمكنني أن أتخيل حياتي من دون المثال الذي جسّده مانديلا؛ لذا سأحرص طوال حياتي على التعلم قدر المستطاع منه". وتَقدّم بالتعازي لعائلة مانديلا وشعب جنوب إفريقيا وقال: "الأرجح أننا لن نرى أمثال نيلسون مانديلا من جديد؛ لذا من الأفضل لنا أن نلتزم بالمثال الذي جسّده، فنتخذ قرارات لا تقوم على الكراهية وإنما على الحب.. ونسعى وراء مستقبل يستحق تضحيته". من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في بيان، إن "مسيرة ماديبا الطويلة من أجل الحرية، أعطت معنى للشجاعة والرمز والصفح والكرامة الإنسانية".
كاميرون: برحيله انطفأ نور كبير في العالم من جهته، أثنى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على مانديلا، معتبرا أن برحيله انطفأ نور كبير في العالم. وسارع كاميرون في التعليق على رحيل مانديلا، فقال في تغريدة على موقع (تويتر)، إن "ضوءا كبيرا انطفأ في العالم... نيلسون مانديلا كان بطلا في عصرنا"، وأشار إلى أنه أوعز بتنكيس العلم أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية؛ حدادا على مانديلا.
هولاند: ميراثه سيظل ملهما للمناضلين من أجل الحرية أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فقد أعرب عن "خالص تعازيه" لوفاة نيلسون مانديلا، قائلا إن ميراث زعيم جنوب إفريقيا سيظل يُلهم المناضلين من أجل الحرية. وفي بيانه أشاد هولاند بمانديلا ووصفه بأنه "مناضل حارب الأبارتيد بلا كلل وبكل شجاعة وإصرار ومثابرة"، مضيفا أن "رسالة مانديلا لن تختفي، وسيظل يُلهم المناضلين من أجل الحرية، ويمنح الثقة للشعب الذي يدافع عن القضايا الحقة والحقوق العالمية".
بوتين: رحيل أحد أبرز السياسيين وعزّى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس جنوب إفريقيا والعالم في وفاة الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، واصفا إياه بأحد أبرز السياسيين في العصر الحديث. وقال بوتين عبر الجهاز الإعلامي للكرملين: "إن عصرا كاملا من التاريخ الحديث في إفريقيا يرتبط بقوة باسم نيلسون مانديلا، الذي انتصر على سياسات الفصل العنصري، وأسّس جمهورية جنوب إفريقيا الديمقراطية". من جهته، اعتبر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى إفريقيا ميخائيل مارجيلوف، نيلسون مانديلا "آخر رجل سياسة حقق أهدافه بعد احتجاجات غير عنيفة". وقال مارجيلوف إن "مانديلا وقف ويظل يقف في طليعة المناضلين من أجل الحرية والاستقلال، أمثال ماهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر".
الاتحاد الأوروبي: أفضل تكريم له هو الالتزام بقيمه وأكد الاتحاد الأوروبي أن أفضل طريقة لتكريم رئيس جنوب إفريقيا السابق، هي "تجديد الالتزام بالحفاظ على القيم التي حارب من أجلها"، مشددا على أن الراحل "هو رمز العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان". وأصدر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو ورئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، بيانا مشتركا، قالا فيه: "إن يوم رحيل مانديلا هو يوم حزين ليس لجنوب إفريقيا وحدها بل للمجتمع الدولي بأسره". وأضاف البيان: "نحن في حداد على وفاة أحد أعظم الشخصيات السياسية. في عصرنا نيلسون مانديلا لم يكن مفتاح انتقال جنوب إفريقيا إلى بلد ديمقراطي وحسب؛ فهو يمثل المعركة ضد العنصرية والعنف السياسي وعدم التسامح، وهو يمثل العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان". وتابع أن مانديلا "علّمنا جميعا درسا مهما في المصالحة والانتقال السياسي والتحول الاجتماعي، ووحده شخص يتميز بإنسانية عميقة ونزاهة أخلاقية ورؤيا واضحة لمستقبل بلاده، يمكنه تحقيق ذلك". لكن البيان شدّد على أنه "فيما نحزن اليوم فإن ما من طريقة أفضل لتكريم ذكرى (مانديلا) غير تجديد التزامنا الجماعي بالحفاظ على قيم الديمقراطية الحقيقية والعميقة، التي حارب من دون كلل من أجلها".
منظمة العفو الدولية: شجاعة مانديلا غيّرت العالم بدورها، نعت منظمة العفو الدولية الزعيم وأشارت إلى أن وفاته "خسارة لجميع دول العالم التي تناضل من أجل الحرية والعدالة وإنهاء التفرقة العنصرية". وأكد الأمين العام للمنظمة سليل شيتي، أن مانديلا "قائد عالمي رفض القبول بالظلم، وشجاعته ساهمت في تغيير العالم بأسره"، مضيفا: "لقد ترك رحيله فراغا كبيرا ليس داخل جنوب إفريقيا فحسب، بل في شتى أرجاء العالم، فلقد كان نعم المثال للالتزام بحقوق الإنسان". وأردف: "لقد كان مانديلا سجينا سياسيا، اعتُقل لدرايته الجيدة بمدى تأثير إقصاء الجماعات والأثر المدمر الذي تتركه على النسيج الاجتماعي لبلاده، والذي يخلق سياسة عدم المساواة، لذا فإن حركة حقوق الإنسان في شتى أرجاء العالم، تدين بالعرفان له، وجميعنا ممن أبهرهم نضاله، ينبغي علينا الاستمرار على خطاه". يُذكر أن منظمة العفو الدولية أعلنت في عام 2006 عن إهداء مانديلا جائزة "سفير الضمير"؛ اعترافا بمجهوداته على مدار عدة سنوات، ضد انتهاكات حقوق الإنسان، ليس داخل إفريقيا فقط ولكن في شتى أنحاء العالم.
الاتحاد الإفريقي: حزن لوفاة أيقونة التحرر الإفريقي وعبّر الاتحاد الإفريقي عن بالغ حزنه لوفاة نيلسون مانديلا و«أيقونة التحرر الإفريقي". ونُكست أعلام الدول الأعضاء على مقر المنظمة الإفريقية في أديس أبابا بإثيوبيا. وذكر نائب رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقي إيراستوس موينتشا، أن المفوضية عقدت اجتماعا طارئا عقب وفاة مانديلا، واتخذت عددا من القرارات منها تنكيس الأعلام في مقر الاتحاد لمدة ثلاثة أيام، وتنظيم حفل تأبين خاص يوم الأحد؛ تكريما وإحياء لذكرى الراحل ووضع كتاب للتعازي. وأضاف المسؤول أن حفل التأبين سيكون حدثا مشتركا مع الحكومة الإثيوبية وسفارة جنوب إفريقيا والمفوضية الإفريقية. وحيّا قادة بلدان إفريقيا الشرقية الزعيم الراحل، معلنين الحداد حزنا على من وصفوه ب "صوت الشجاعة"، الذي قدّم تضحيات كبيرة. كما افتُتحت ندوة الإليزي حول السلم والأمن في إفريقيا على وقع الحزن من فراق الأيقونة الإفريقية مانديلا؛ رمز السلم بلا منازع في هذه القارة، التي عانت ومازالت تعاني من ويلات النزاعات.
بابا الفاتيكان: مانديلا جدّد جنوب إفريقيا وفي تصريح له ترحّم فيه على روحه، قال بابا الفاتيكان فرانسيس إن الراحل مانديلا "خلق جنوب إفريقيا جديدة"، قائمة على أساس "اللاعنف والمصالحة والحقيقة"، داعيا كل فئات الشعب بهذا البلد إلى الالتزام بمبادئ الرجل من أجل بناء مستقبل في إطار المصالحة.
محمود عباس: إعلان الحداد لمناضل وقف معنا وأصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمس أوامر بتنكيس الأعلام، وأعلن الحداد ليوم واحد في الأراضي الفلسطينية على وفاة الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا. الرئيس الفلسطيني ينعي مانديلا ويقول إنه "كان أشجع وأهم رجالات العالم الذين وقفوا معنا". وأضاف: "جمعتنا مع الزعيم الأممي مانديلا علاقات نضالية وتاريخية ستبقى راسخة إلى الأبد بين الشعبين الفلسطيني والجنوب إفريقي"، مشددا على أن "مانديلا كان قائدا ومقاتلا من أجل حرية شعبه، وكان رمزا للتحرر من الاستعمار والاحتلال لكل الشعوب من أجل حريتها". وقال عباس: "لن ننسى ولن ينسى الشعب الفلسطيني مقولته التاريخية: إن ثورة جنوب إفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته".
الهند تصفه ب "الغاندي الحقيقي" وأعلنت الهند الحداد الوطني لمدة خمسة أيام على روح المناضل الكبير نيلسون مانديلا، واصفة إياه ب "الغاندي الحقيقي في روحه ومثله"، و«الصديق الكبير للهند". وقال الوزير الأول الهندي مانموهان سينغ: "في عالم متسم بالتفرقة، كان مثالا للعمل من أجل المصالحة والانسجام، والأكيد أننا لن نجد رجالا مثله لفترة طويلة". وبالنسبة لرئيس الحكومة الإيطالي أنريكو ليتا، فإن بلده لا يمكن أن ينسى "الدرس الذي لقّنه إياه مانديلا"، فهو على حد وصفه في برقية التعازي التي بعث بها، "مثال على الالتزام السخي بالحقوق والاندماج".