رغم أنها توفر أكثر من 50 بالمائة من مناصب الشغل في الجزائر وتساهم بقدر كبير في خلق الثروة، فإن سياسة ترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ”فشلت” حسب الأخصائيين. والدليل هو الأرقام التي توضح أن الجزائر تحصي 700 ألف مؤسسة من هذا النوع، منها 98 بالمائة مصغرة؛ أي تشغّل أقل من 10 عمال، وذلك بعيدا عن الهدف المسطر في المخططات الحكومية، والتي تتحدث عن ضرورة خلق مليوني مؤسسة. كما أن سياسة التأهيل لم تؤت ثمارها. فمنذ وضع المخطط لم تنضم سوى 3000 مؤسسة لهذا البرنامج بعيدا عن الهدف المسطر، والمقدَّر ب20 ألف وحدة، كل هذا رغم المجهودات والمبالغ الهامة المخصصة لهذا القطاع، والتدابير المحفّزة التي وضعتها الحكومة لتشجيع إنشائها. وأكد رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة زعيم بن ساسي، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أن وتيرة إنشائها لا ترقى إلى مستوى القدرات الاقتصادية للبلد، مرجعا ذلك إلى غياب محيط ملائم. واعتبر أنه لا يمكن الاكتفاء بنحو 700000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، من بينها 98 بالمائة مؤسسات مصغرة توظف أقل من 10 أشخاص؛ لأن حاجيات الجزائر تقتضي إنشاء مليوني وحدة، ليتسنى لها توفير العمل لطالبي الشغل ودفع المناولة؛ قصد تقليص الواردات التي بلغت قيمتها رقما قياسيا في 2013، يقارب ال60 مليار دولار، حسب التوقعات. لكن المحيط ليس المتهم الوحيد - حسب المتحدث - الذي أشار إلى قلة ترسيخ ثقافة المقاولة في ذهن الفئة المؤهلة للتوجه نحو هذا النوع من النشاط، وهو ما جعله يقول إن سياسة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ”فشلت”.واقترح لتدارك الفشل تبنّي استراتيجية تمتد على مدى خمس سنوات، للتزود بما يكفي من المؤسسات القادرة على الاستجابة لحاجيات الاقتصاد وتغطية جزء من السلع المستوردة، مع المطالبة بتقديم تسهيلات لرفع العراقيل البيروقراطية وتخفيف شروط منح القروض لدى البنوك، والتخلص من القيود الاحترازية على مستواها، لاسيما عقوبة فعل التسيير. وأكد المدير العام للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بوزارة التنمية الصناعية وترقية الاستثمار براهيتي عموري، أن الوزارة تشجع إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، لجعلها ”محركا للتنمية”، مشيرا إلى اتخاذ الدولة لعدة إجراءات لتسهيل الاستثمار والمحاضن، سيتم استحداثها من أجل مرافقة المقاولين الشباب. وقدّر وزير المالية كريم جودي معدل نسبة إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال فترة 2001-2011، ب 25.000 إلى 30.000 وحدة في السنة؛ أي زيادة تقارب 10 بالمائة سنويا، وهي توظف أكثر من 50 بالمائة من السكان الناشطين. وتعمل الوكالة الوطنية لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على إعداد مخطط للمساعدة على إنشاء 200.000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، بالتركيز على توجيه الشباب نحو إنشاء هذا النوع من المؤسسات، لاسيما عبر التكوين، مع أولوية التأهيل. واعترف وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار عمارة بن يونس، بوجود نقص حقيقي في المقاولين الشباب، متأسفا في عدة مناسبات لكون الاستثمارات الجديدة أغلبها تتم من طرف مقاولين قدماء، لذا حث الشباب على اقتحام هذا المجال، مستغلين التسهيلات التي تتيحها مختلف الأجهزة الموضوعة فيه. أما فيما يخص التأهيل، فإن هناك إجماعا على أن البرنامج لم ينجح في تحقيق الأهداف المسطَّرة، لأسباب متعددة، منها صعوبات في فهم رهانات وأهداف إعادة تأهيل المؤسسات لدى أصحابها، الذين يكتفون في الكثير من الحالات بالتشخيص دون مواصلة العملية إلى نهايتها. والنتيجة أن القليل من المؤسسات اعتمدت حلولا جديدة، وأغلبها تركت أداة الإنتاج في حالة تجاوزها الزمن. واعترف رئيس الوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة رشيد موساوي، بهذا الوضع، لاسيما في ظل غياب تعليمة تُلزم رئيس المؤسسة بمتابعة كل المراحل؛ ولهذا عملت الوكالة على إعداد كتيّبات لشرح كل مراحل مسار إعادة التأهيل والإجابة عن انشغالات رؤساء المؤسسات. وفي 2013، انضمت 3.000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة فقط لمخطط إعادة التأهيل بعيدا كل البعد عن هدف 20.000 وحدة الذي سُطر منذ خمس سنوات. وتحصّل نصفها على إشعار بالتمويل، غير أن لا واحدة منها قامت بإتمام المسار. وفي 2012، بلغ عدد المؤسسات التي استفادت من إعادة التأهيل، 719 مؤسسة من أصل 2.153 ملفا تم إيداعها. وفي رأي زعيم بن ساسي، فإنه لا يجب التوقف في مرحلة التشخيص، معربا عن أسفه للعدد المحصور للخبراء المكلفين بهذه العملية، والبالغ 450 محترفا؛ بحيث لا يمكنهم التكفل بالكم الهائل من المؤسسات، حتى بالخبرة الأوروبية من خلال برنامج ”المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 2”، الذي خُصص له 44 مليون أورو، لم تستفد سوى 200 مؤسسة من إعادة التأهيل.