دخل العراق وضعا أمنيا خطيرا أصبح يهدد استقراره بعد تنامي العمليات الانتحارية واشتداد المعارك بين مقاتلي العشائر وتنظيم القاعدة في العراق والشام مع القوات النظامية وقابله عجز خيارات حكومة الوزير الأول نوري المالكي في إيجاد مخرج لأزمة متعددة الأوجه في بلد لم يعرف الاستقرار منذ مارس 2003. فقد اهتزت عدة أحياء في العاصمة بغداد، أمس، على وقع عدة تفجيرات بالسيارات الملغمة خلفت مصرع 15 شخصا في نفس الوقت الذي طبع فيه الغموض الوضع في مدينتي الفلوجة والأنبار التي سيطرت عليها العشائر التي خرجت عن طاعة الدولة المركزية في العاصمة بغداد. وزاد مثل هذا الوضع المستعصي في متاعب الوزير الأول العراقي، نوري المالكي، الذي فشل في احتواء وضع بلغ نقطة اللارجوع في غياب أية حلول عملية لتجاوز هذا الامتحان الصعبة تسويته. وبالنظر إلى طبيعة الأوضاع التي يمر بها هذا البلد يمكن التأكيد أن الوزير الأول العراقي يوجد فعلا في وضع لا يحسد عليه في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية وتشعبها إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية يتخبط فيها العراقيون منذ الإطاحة بالنظام السابق. وإذا كان المالكي تمكن من اجتياز امتحان الأزمات السابقة التي اعترضت فترة حكمه إلا أن الأزمة الحالية جعلت هامش المناورة لديه يضيق من يوم لآخر بدليل طريقة تعامله مع وضع أزمة تفاعلت أطوارها على نار هادئة قبل أن تضع العراق،حكومة وشعبا على صفيح ساخن ينذر بانفجار كبير. ولأن السلطات العراقية لم تسارع إلى التعاطي مع الأزمة بالحكمة المطلوبة في وقت تمسك فيه سكان الانبار المنتفضون بمواقفهم الرافضة لكل قرار يأتيهم من حكومة مركزية اتهموها بعدم الاكتراث لمشاكلهم. وبدلا من أن تحسم حكومة المالكي قضية مخيم اعتصام رافض في الانبار قبل أن يتحول الى عصيان مدني ثم حرب مفتوحة فقد راهنت على عامل الوقت عله يثني هؤلاء عن حراكهم الشعبي ولكن حسابات الملكي أخطأت التقدير هذه المرة وسمحت للوضع أن يتعفن إلى درجة بلغت حد الاقتتال الدامي. وحتى وإن سارعت السلطات العراقية إلى اعتبار ما يجري في الرمادي والفلوجة والانبار عملا إرهابيا حركه عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المحسوب على تنظيم القاعدة إلا أن ذلك لم يمنع من تأكيد درجة التذمر لدى السكان السنة الذين أصبحوا يعتبرون أنفسهم عراقيين من الدرجة الثانية مقارنة مع نظرائهم من سكان الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها المالكي. وحتى بديل الحسم العسكري الذي اتخذه المالكي كخيار للرد على التمرد الشعبي في غرب البلاد يبدو انه لن يحل المشكلة بقدر ما سيزيد في تعقيدها إذا أخذنا بدرجة العداء التي أصبح يكنها السكان السنة لكل ما تصدره السلطة في بغداد من قوانين وإجراءات بلغت درجة الرفض القاطع. وحتى حظوظ نجاح الجيش النظامي في احتواء الوضع تبقى ضئيلة إذا أخذنا بعين الاعتبار قوة تسلح العشائر وكذا عناصر تنظيم القاعدة إذا سلمنا بوجودهم في أوساط السكان. وهو ما أكدته عمليات المواجهة المفتوحة خلال الأيام الأخيرة وسمحت لمقاتلي هذه العشائر ببسط سيطرتها على الوضع وإعلان المدينة الأخيرة تحت السيطرة.وحتى وإن تمكن الجيش العراقي من استعادتها في الهجوم الذي أعلن القيام به في الفلوجة والرمادي فإن ثمن ذلك سيكون غاليا بالأرواح والدمار الذي قد تتسبب فيه المعارك التي ستدور رحاها في المدينتين وأيضا بعداء إضافي بين الفرقاء. ولم يكن مقتل 160 عراقيا خلال مواجهات يومي الجمعة والسبت إلا نذيرا بأن المواجهة القادمة ستكون حصيلتها أفظع على اعتبار أن الفرقاء سيستخدمون أسلحة أكثر فتكا ودمارا. ولكن ذلك لم يمنع رئيس الوزراء العراقي من التأكيد بأن ”قوات الأمن ستواصل عملياتها حتى إنهاء المظاهر المسلحة في محافظة الأنبار والقضاء على ”القاعدة” وما أسمها بال«عصابات الإجرامية”.