يحتضن رواق ”عائشة حداد” بالعاصمة إلى غاية العاشر من هذا الشهر; فعاليات معرض جماعي نسوي للفنون التقليدية بمشاركة فنانات وحرفيات فضّلن تجسيد إبداعهن بالألوان والأشكال ولمسة الأنثى الحريصة على تقديم الجديد والمختلف في عيدها العالمي. تشارك في المعرض 13 فنانة، لكلّ واحدة منهن مسارها وحكايتها مع الفن، لكنهن يشتركن كلّهن في موهبة الإبداع والبحث وحريصات أيضا على الدخول بعمق إلى هذا العالم البديع الذي لا تنتهي حدوده، والذي يشدّ بقوة خفية الداخل إليه. استقبلت الفنانات ”المساء” بحفاوة ليتداول الدور فيما بينهن كي يعرضن ما أنجزنه من تحف ولوحات وقطع فنية مختلفة، أولاهن كانت السيدة أمينة مزيان التي امتلأ جناحها بالجديد، وهي التي عّودت الجمهور في كلّ معرض على الجديد فقط، وأشارت في حديثها ل«المساء” إلى أنّها تحب كثيرا التنويع والتجديد ولا تحب أن تكرّر نفسها في كلّ معرض تشارك فيه، وتقول: ”فضّلت في هذا المعرض أن أقدّم تجربة جديدة خضتها وكانت جدّ ناجحة، وهي خاصة بالزخرفة على الخشب سواء بأسلوب التزهير أو التشكيل.. توجد علب وصناديق تستعمل لحفظ مختلف الأدوات، خاصة النسوية، تحمل تزهيرا تقليديا أصيلا، إضافة إلى اعتمادي على أساليب أخرى لكنها عريقة، فهذا الصندوق مثلا يحمل زخرفة تركية، بلون داكن، عليه تزهير خفيف باللون المذهب، وهناك كذلك الصندوق الذي يحمل البصمة الهندية الجميلة، لذا تبدو هذه الصناديق تحفا معروضة في متحف”.قدمت أمينة مجموعات في فن الفخار مستعملة ألوان كلاسيكية (أركييك) وأخرى خزفية أصيلة معتمدة على الأسلوب الفني الروسي، وهنا تعلّق: ”غطّت لي ”المساء” معرضا استعملت فيه الأسلوب الأمريكي وها أنا اليوم أقدّم أسلوبا راقيا وجميلا من عمق البلاد الروسية يسمى ”كوكلوما”، تبرز فيه معالم فنية لا يعلى عليها مع التزامي الدائم بتقنية الرسم باليد المرفوعة واستعملت الزهور من وحي خيالي يأتيني إلهامها في الوقت الذي أرسم فيه، وفضّلت فيها الألوان الأنثوية كغيرها من التحف التي أنجزتها مثل الأزرق الفاروزي والملكي والبنفسجي والوردي والأخضر الفاتح، إضافة إلى استعمالي لسيد الألوان وهو الأسود وزركشته بالوردي”. جناح أمينة يخطف الأبصار وتبدو معروضاته مثل القطع النادرة، لذلك يسأل الجمهور فور دخوله عن أصلها وهل هي مستوردة، ولا يصدّق الكثير منهم أنّها من إبداع هذه السيدة التي تأمل في أن تكون هذه الأساليب المبتكرة أو الجديدة ضمن برامج التكوين المهني قصد نقلها وتطويرها أكثر، كما قدّمت هذه الفنانة لوحات ذات أطر تحمل ألوانا زاهية وتحوي أشكالا ذات ألوان ممزوجة في أطر هندسية متناسقة، وبمناسبة المعرض، طرحت السيدة أمينة معروضاتها للبيع بتخفيضات كبيرة قصد نشر هذا الفن في البيوت الجزائرية.من جهتها، قدّمت السيدة منيرة قاسمي لفيفا من المرايا التي عكست موهبتها التي ظلت لسنوات طويلة محجوبة عن الجمهور، هذه المرايا كانت قمة في الدقة والإبداع، تعدّدت أشكالها وصفاتها فمنها من تجسّدت فيها تقنية الموزاييك، ومنها من استخدمت فيها التقنية المختلطة، وأخرى استعملت فيها حبات الصدف بمادة صمغية رسمت عليها أشكالا ونباتات متداخلة وحشرات كالنمل لتبدو بفعل هذه المادة مثل الزجاج تماما. مالت هذه المبدعة إلى الأصفر والبنفسجي أكثر من غيرهما من الألوان، لأنّها رأت أنّها تعكس إلى حدّ كبير لون زهور الربيع، كما عرضت لوحة تمثّل بداياتها الفنية وقدّمت صندوقا مزركشا بالقطع والصدف يعكس جلد السحلية، هذا الحيوان الذي يتقزّز منه، فأرادت أن تتحدى هذا الإحساس بتجسيده. استعملت السيدة منيرة غراء الخشب لتلصيق قطع خشبية صغيرة تشبه حبات العدس وأكّدت أنّ عملية تلصيقها دقيقة تتطلّب الكثير من الغراء كي لا تسقط، تقول السيدة منيرة: ”حاولت أن أكون نفسي واستفدت كثيرا من المعارض التي تقام برواق عائشة حداد، فضلا عن الدور الذي لعبه أستاذي السيد عمر واستفدت من معارضي التي كانت بدايتها بالرسم على الزجاج لأختار بعدها الخشب لأنه الأصلب والأبقى”. يحضر في المعرض الخزف بكلّ ثقله، ممثلا في الفنانة مدني سامية التي اكتسبت موهبتها من زوجها الفنان الزخرفي الخزفي الذي يبدع منذ 30 سنة، لكنها اشتكت ل«المساء” من ضيق الأفق الذي يعانيه هذا الفن في بلادنا، حيث أصبح يكرّر نفسه من خلال البلاط المشدود والألوان التقليدية، متمنية أن يعرف هذا الفن الإبداع والتجديد أكثر، وقدّمت السيدة سامية في معرضها تحفا وقطعا فنية ذات الزخرفة الدقيقة باستعمال الأزرق بكلّ تدرجاته، معتمدة على التزهير أكثر من غيره من الأساليب الفنية، علما أنّها تستوحي هذه الأساليب من الكتب التاريخية القديمة، كذلك الحال بالنسبة للوحات الكبيرة التي أنجزتها، والتي اعتمدت فيها على المنمنمات الكلاسيكية بألوان مستوحاة من التراث القديم، وتؤكّد أنّ أعمالها رائجة لأنّ الجمهور يقدّر الفن الأصيل المنجز باليد. الفنانة زنيدة زويوش قدّمت لوحات زيتية راقية لحي القصبة بألوان ترابية بديعة وأخرى في المنمنمات المرصعة بالخطوط الذهبية اللامعة التي توحي بقصور الملوك الذين زيّنوا بها عمارتهم، كما قدّمت بعض قطع الديكور بزخرفة تشبه الحلي التقليدية والأثاث المنزلي.الفنانة نبيلة عبد القرفي قدّمت ثلاث لوحات زيتية وأطباق تزيينية، مشيرة إلى أنّها تعشق الأسلوبين البربري والمزهر، كما أنّها تميل إلى اللونين الأحمر والأخضر لأنّهما يمثّلان العلم الوطني، وحقّقت هذه الفنانة حضورها، ورغم ذلك ترى أنّ أمامها الكثيرو فكلّما تعمّقت في الأساليب الفنية تأكّدت أنّها لا يزال ينقصها الكثير، علما أنّها تعشق لحظة الاكتشاف لأنّها تولد عندها الانبهار والمتعة. في ركن آخر، تعرض الدمى التي تلبس الزي التقليدي القبائلي بجوار الأواني الفخارية، عمر هذه الدمى يعود إلى سنة 1971، تحمل بعض الذكريات المؤلمة في وجدان السيدة بن علي شابحة التي غابت عن المعرض. يبقى المعرض احتفالية جميلة وباقة ورد مهداة لبنات حواء في عيدهن العالمي، وكذا إصرار على التميّز من خلال خطاب فني بتوقيع أنثوي بامتياز.