يحتضن رواق ”حسين عسلة” بالعاصمة معرضا للفنان التشكيلي سليم بوهالي بعنوان ”أضواء من الجنوب”، يقدّم فيه تجربته الفنية التي تجاوزت العقدين، كما يحكي فيه عن مدينته القنطرة التي رسمها كبار الفنانين المستشرقين العالميين من أمثال دو لاكروا وديني. يتضمّن المعرض الذي تستمر فعالياته حتى السادس ماي الجاري؛ 44 لوحة، منها 16 لوحة بالألوان الزيتية، وبه قسمان؛ قسم خاص بالأسلوب الواقعي خصّص للوحات التي تصور المناظر الطبيعية ومختلف المواقع لمدينة القنطرة وضواحيها، وهو بالألوان المائية، وخصّص القسم الثاني للألوان الزيتية والأسلوب نصف التجريدي، يتناول فيه الفنان عدّة مواضيع اجتماعية وثقافية وإنسانية. في زيارتها للمعرض، التقت ”المساء” بالفنان سليم الذي بدا سعيدا مرحبا مستعدا لتقديم إبداعه للجمهور العاصمي، وفي بداية حديثه، أشار هذا الفنان القادم من مدينة القنطرة بولاية بسكرة إلى أنّه صقل موهبته بالتكوين، حيث درس أصول الفن بمدرسة الفنون الجميلة بباتنة وكان ضمن الدفعة الأولى التي تخرجت منها سنة 1990، وتخصّص حينها في الهندسة الداخلية (ديكور)، علما أنّ الدراسة كانت تتميّز ب3 سنوات جذع مشترك وسنة اختصاص، لكن الفنان بقي ملتزما بالفن التشكيلي الذي فتح عينيه عليه في سن مبكرة، عندما كان ينجذب وهو طفل لكل ”ما هو ألوان”. حب الفن تولّد أيضا - حسب سليم- بالاحتكاك مع الفنانين البارزين منذ بداية شبابه حين كان يزور مدينة باتنة ليلتقي جيلا من الفنانين البارزين، منهم مثلا حسين هوارة، شريف مرزوقي وبوغرارة عبد العالي ليصبحوا فيما بعد زملاءه، واحتك الفنان سليم أكثر مع الفنان حسين هوارة المتحصّل على جوائز دولية والذي ينحدر هو أيضا من القنطرة، فكان سليم يعمل معه في بعض المشاريع وهو لا يزال طالبا عنده في ورشته للفنون التشكيلية وأيضا بورشة الفخار. ومع مرور الأيام، احتاج سليم إلى أن تكون له شخصيته الفنية المستقلة عن باقي الفنانين، فراح ينمّي ميولاته الفنية ويبحث عن التميّز من خلال تقنيات خاصة به وبطريقة عمل خاصة كذلك الشأن بالنسبة للألوان، ليهتدي إلى هويته الفنية المستقلة، وشارك سليم بوهالي في العديد من المعارض الجماعية وارتبط فنيا بمدينة باتنة، وعند حلول سنة 2007 اقتحم الوسط التشكيلي بالقنطرة وبسكرة عموما، التي بها أسماء فنية مشهورة على المستوى الوطني واحتك بهؤلاء وربط معهم علاقات صداقة. شارك الفنان سليم في عدّة معارض عبر مختلف أرجاء الوطن منها أم البواقي، عين تموشنت، تلمسان وغيرها، وذكر في حديثه ل«المساء”، أنّه شارك سنة 1990 بمعرض جماعي بالعاصمة خاص ب«ملتقى مدارس الفنون الجميلة على مستوى منطقة المتوسط”، وشاركت فيه حينها خمس مدارس جزائرية، إضافة إلى العديد من المدارس الأجنبية من إسبانيا، إيطاليا، اليونان، مصر، تونس، المغرب وغيرها، واختير سليم من بين أربعة فنانين جزائريين لتمثيل الجزائر نتيجة قدراته وإمكانياته الفنية، وسنة 2010 شارك سليم في صالون جرجرة (بولاية تيزي وزو) للفن التشكيلي وتحصّل فيه على الجائزة الأولى من بين ال 65 مشاركا يمثّلون 28 ولاية. وتحدّث الفنان عن تلك الفترة بكثير من الحنين ليستحضر علاقته بأستاذه الفنان دوادي نصر الدين الذي لا يزال ينشط ويعرض إلى اليوم، وكان مهتما باكتشاف وتثمين مواهب طلبته بمدرسة الفنون الجميلة. يلتفت سليم إلى معرضه المقام حاليا، ليؤكّد أنّه رسم القنطرة وضواحيها من باب الاهتمام بتراثنا الوطني، وخصّص لذلك نصف المعرض واجتهد في البحث في موضوع الهندسة المعمارية الأصيلة، محاولا التنبيه إلى خطر الضياع الذي يتهدّد هذا التراث في كامل أرجاء الجزائر، بالتالي المحافظة عليه في الوقت المناسب بدل البكاء عليه بعد فوات الأوان، كما هو الشأن مع حي القصبة مثلا. من جهة أخرى، يرى سليم أنّ العمران وجه من أوجه الهوية الثقافية الوطنية، يجب تطويره وتجسيده على أرض الواقع عوض استيراد نماذج من العمران لا تمثّل هويتنا الوطنية، وهنا يقول مخاطبا ”المساء”: ”البناء ليس مجرد سكن بل هو ثقافة وتقاليد ونمط اجتماعي يتلاءم مع طبيعة منطقته، وحاليا يؤلمني ما أشاهده في بعض المناطق، حيث وصل الانفصام إلى درجة البناء على الطريقة التقليدية الآسيوية”. حين يرسم سليم القنطرة، يستعمل الألوان الحارة المستمدة من جوّ المنطقة، علما أنّ القنطرة تبعد عن باتنة ب 50 كلم وعن بسكرة بنفس المسافة، بالتالي فإن جوها بمناخين صحراوي وتلي بمعنى شمالها مكسو بالثلج وجنوبها مكسو بالرمال، بالتالي استحقت اسم قنطرة لأنّها تجمع بين مناخين وبيئتين مختلفتين. الشق الثاني من المعرض خصص للأسلوب نصف التجريدي بالألوان الزيتية، وعالج فيها الفنان بعض المواضيع الإنسانية والنفسية وبعض الانفعالات، منها استسلام الإنسان لا إراديا لوسائل الإعلام التي أصبحت تصنع أفكاره ومواقفه وقناعاته، ومع تعدّدها المذهل أصيب الإنسان باضطراب في مواقفه وأصبح مشتّت الأفكار لا يستقر على رأي محدد، كما عالج الفنان ظاهرة الاضطراب الحاصل لدى الفرد، بحيث أصبح يتلوّن مع مطلع كلّ شمس، وهو ما يسمى بالنفاق الاجتماعي. أشار الفنان إلى أنّه بالنسبة للأسلوب نصف التجريدي، يتعامل معه من منطلق واقعي أي أنّ الموضوع يكون واقعيا، ثم يحوّره ويتمادى في تفصيله ويفصّله إلى درجة تجعله يبتعد عن أصله الواقعي لتظهر قيمة جمالية أخرى دون أن تكون عناصرها تشبه الواقع.