بعيدا عن بروتوكولات اللقاءات الرسمية، فقد كانت استعادة ذكرى إنزال الحلفاء لقواتهم في سواحل منطقة النورمندي الفرنسية في السادس جوان سنة 1944، بمثابة بداية انفراج للأزمة الأوكرانية، التي استحال إلى حد الآن إيجاد طريقة لفك خيوطها المعقدة. وما كان مدرجا ضمن خانة المستحيل قبل أيام في ظل تصعيد اللهجة بين روسيا والدول الغربية، تحقق أمس بعقد أول لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني بيترو بوروشنكو، مستغلين استعادة قادة دول الحلفاء ضد النازية الهتلرية الذكرى السبعين لأضخم إنزال عسكري في تاريخ البشرية، والذي قلب موازين الحرب العالمية الثانية، وشكل بداية انهيار النظام النازي. ودون أية ممهدات التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني المنتخب حديثا بيترو بوروشنكو في لقاء لم تسبق الإشارة إليه، ولكنه شكّل اختراقا حقيقيا على طريق إنهاء الأزمة المستعصية في بلاده، والتي تأكد أمس أن حلها يمر حتما عبر موسكو، التي تتحكم في أوراق إنهائها بحكم العلاقات التاريخية والاقتصادية بين البلدين، وأيضا بحكم الأقليات الروسية التي أصبحت تهدد الوحدة الترابية لأوكرانيا؛ لأنها أرادت كسر علاقة توازن هش في منطقة البحر الأسود، ولكنها دفعت الثمن غاليا دون أن تتمكن الدول الغربية التي أعلنت مساندتها لها، من فعل أي شيء لوقف عمليات تفتيت أقاليمها الشرقية وإلحاقها بفيدرالية روسيا. والمفارقة أن لقاء الرئيسين الروسي والأوكراني حقق الاختراق المفقود بعد أن اقتنعا بضرورة وقف المعارك بين الجانبين المتحاربين ووضع حد لإراقة الدماء بين القوات النظامية الأوكرانية والمتمردين الانفصاليين في جنوب شرق البلاد. ورغم أن المناسبة كانت لإحياء مناسبة تاريخية وتحمل دلالات قوية بالنسبة للدول الغربية، إلا أن الأزمة الأوكرانية فرضت نفسها فرضا، وشكلت موضوع النقاش الذي أثير من طرف رؤساء الدول الذين شاركوا في هذه الاحتفالية السنوية. وقد تم عقد قمة بوتين بوروشنكو بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تكون قد لعبت خلال لقائها بالرئيس الروسي، دورا محوريا في إتمام هذا اللقاء. ولم تكن هذه الأزمة غائبة أيضا عن اللقاء القصير بين الرئيسين الروسي والأمريكي، اللذين أثارا قضية إنهاء الأزمة الأوكرانية في حديث جانبي لم يدم سوى عشر دقائق. وحتى إن كانت مدة اللقاء مقتضبة والمحادثات غير رسمية فإنها كانت كافية لإذابة الجليد الذي علق بالعلاقات الأمريكية الروسية خلال الأشهر الأخيرة، على خلفية الأحداث الدامية التي عرفتها أوكرانيا على خلفية قرار واشنطن فرض عقوبات اقتصادية لردعها عن مواصلة دعمها للانفصاليين الأوكرانيين الناطقين بالروسية، والذين أكدوا رغبتم في الانضمام لفيدرالية روسيا. هذه التطورات المتسارعة وقعت في يوم واحد من بعث فكرة المفاوضات بين الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، بما فيها احتمال بعث فكرة وقف إطلاق النار بين الجانبين المتحاربين في هذا البلد خلال الأيام القادمة. فهل تغيّر الاحتفالية السبعون لإنزال النورمندي الوضع في أوكرانيا باتجاه التسوية النهائية، كما فعل الإنزال الذي شكل أول ضربة قوية للجيوش النازية وللفكر الهتلري، أم أن اللقاءات لم تكن سوى نتائج ذكريات جياشة، استعادها رؤساء الدول المشاركة، التي لا تلبث أن تزول بمجرد أن تعود الحسابات البراغماتية والاستراتيجية لتطغى على الموقف العام.