لا يجد أغلبية الجزائريين تفسيرا لمطالبة الأقدام السوداء بما يعرف بممتلكاتهم، التي يقولون بأنهم تركوها وراءهم عند استقلال الجزائر هذا البلد الذي خيرهم رغم كل ما فعلوه خلال فترة تواجدهم بأرضه بين البقاء أو الرحيل عن الأرض المحررة إلى مسقط رأس أبائهم وأجدادهم. وبقدر ما تنتفض وطنية المواطن الجزائري من الذين لم يعايشوا فترة الاحتلال الفرنسي بالجزائر بحكم سنهم بمجرد الحديث عن فترة الاحتلال التي جعلت من الجزائر البلد القوي مصدرا لثراء فرنسا الاستعمارية، فإن طرح الأمر على الذين عايشوا فترة الاحتلال الفرنسي والذين تعرضوا إلى مختلف انواع التعذيب يعد بمثابة الاهانة والمساس بذاكرة وتاريخ الجزائريين مثلما عبر لنا عنه عدد من الفدائيين الذين حكمت عليهم فرنسا الاستعمارية بالإعدام وهو بالنسبة للحقوقي الأستاذ عمار خبابة أمر لا يخرج عن إطار معالجة كل قضية على حدى. تقدر الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري عدد القضايا المرفوعة من قبل الأقدام السوداء التي كانت تقيم بالجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر ب 17 ألف قضية ضد مواطنين يقيمون حاليا بعقارات ومستثمرات فلاحية كانت محتلة من قبل هؤلاء المعمرين. وتشير المعلومات الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المحافظة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الى وجود 600 ملف قدمته الهيئات التي تنشط للدفاع عما يسمى ب »مصالح الأقدام السوداء« للجنة الأممية بهدف إرغام الجزائر على دفع تعويضات عن ما يسمونها "ممتلكاتهم" التي تركوها بعد استقلال الجزائر وقد فصلت الهيئة الأممية في نوفمبر 2006 لصالح الجزائر بعد الدعوى التي رفعها في 2004 أحفاد احد الرعايا الفرنسيين من جالية الأقدام السوداء - الذي غادر الجزائر بعد الاستقلال - ضد الجمهورية الجزائرية والتي تقرر فيها بعد المداولة من طرف أعضاء اللجنة الأممية عدم قبول الشكوى بأربعة عشر صوتا من مجموع خمسة عشر صوتا وحسب نفس المصدر فان القرار الذي تم الحسم فيه من طرف الهيئة الأممية لصالح الجزائر شكل سابقة سوف تطبق على كل الحالات المماثلة على أساس أنها اجتهاد قضائي جديد بالنظر لطبيعة الدعوى والحيثيات المرتبطة بها. من جانب آخر و حسب احد المصادر فان الأقدام السوداء من الذين يمثلون »يهود الجزائر« الذين كانوا قد غادروا الجزائر بعد الاستقلال في 1962، خوفا على أنفسهم من تبعات مواقفهم العدائية ضد الشعب الجزائري وثورته عقدوا اجتماعا في ماي 2005 في القدسالمحتلة وطرحوا ما يسمى ب»ملف التعويض« عن ممتلكاتهم التي تركوها بالجزائر وهو ما يطرح حسب البعض مسألة ربط الأمر بمحاولة التشويش على الجزائر في مطالبتها فرنسا بالاعتراف بجرائمها المقترفة في الجزائر وتعويض الجزائر معنويا وماديا. الأقدام السوداء حطوا بالجزائر بلا أمل.. تجمع الآراء التي استقيناها من مختلف الشرائح العمرية حول موضوع مطالبة الأقدام السوداء من الأوروبيين واليهود الذين استوطنوا الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي وفضلوا الرحيل على البقاء بالجزائر بعد الاستقلال على أن الأمر يكاد يكون ضربا من الخيال وسابقة في التاريخ الإنساني لأنه من غير المعقول أن يتحول الظالم إلى مظلوم والدخيل إلى صاحب الديار. ويطرح البعض الآخر ضرورة تكييف القوانين الجزائرية بشكل يسمح برفع دعاوى قضائية لمطالبة فرنسا بالتعويض عن كل ما اقترفته من جرائم في حق الشعب الجزائري لان التنازل عن الحق أو السكوت عنه يؤدي بصفة تلقائية إلى بروز مثل هذه الأمور غير المؤسسة وبالتالي لا يمكن السكوت عن حق الجزائر في التعويض. وحسب السيدة (سعيدة.م)، إطار بإحدى المؤسسات العمومية، فان الفرنسيين من الأقدام السوداء لا يملكون الحق في المطالبة بأية أملاك لان هذه الأملاك التي يدعون أنها لهم تحصلوا عليها نهبا عن طريق الاحتلال الفرنسي الغاشم وتضيف محدثتنا "علينا إلزام كل معمر فرنسي بتعويض كل جزائري سلبت منه أراضيه وممتلكاته ومست كرامته". ويصف السيد (احمد.ز) تاجر، في مطالبة الأقدام السوداء بما يسمونه "ممتلكاتهم" بالأمر غير الطبيعي لأن الاحتلال الفرنسي جاء لنهب وسلب ثروات الجزائر وحول الشعب إلى خادم لدى الدخيل على أرضه ويضيف محدثنا "ان الأقدام السوداء حطوا بالجزائر مع بداية الاحتلال بدون أملاكط واستوطنوا أرضنا مدة 132 سنة كاملة وجعلوا أنفسهم ملاكا للأراضي ومختلف العقارات بعد أن نهبوها من أصحابها و بدل أن يعوضوننا عن كل ما اقترفوه من جرائم في حقنا حولوا أنفسهم إلى مظلومين". و حسب آراء أخرى فان فرنسا الاستعمارية دمرت الآثار ونهبت الأملاك وجعلت أبناء الجزائر غرباء في وطنهم ووطنت بأرضنا طيلة فترة احتلالها لنا مختلف الجنسيات التي قدمت معها آنذاك وبنت لنفسها ما أرادت من هياكل قاعدية واتت على الأخضر واليابس وعطلت تطور الجزائر مدة 132 سنة كاملة وبالتالي لا يحق لأبنائها المطالبة بحقوق ليست لهم في الأصل. فدائيون ينتفضون غيضا.. يؤكد المجاهد موهون جلالي وهو فدائي حكمت عليه فرنسا الاستعمارية بالإعدام وهو الآن عضو في الجمعية الوطنية للمحكوم عليهم بالإعدام ل »لمساء«، بأنه من الأجدر محاسبة فرنسا عن كل ما اقترفته في حق الجزائريين، مضيفا بأن فرنسا استغلت خيرات الجزائر لبناء نفسها وبأملاك الجزائر وأملاك كل المستعمرات الإفريقية، حيث شيدت مدنها. ووصف محدثنا- مطالب- الأقدام السوداء بالمؤامرة التي تحاك ضد الجزائر. وحسب السيد حواسين حسن وهو كذلك من الذين حكم عليهم بالإعدام وعضو في الجمعية فإنه لا يحق للأقدام السوداء المطالبة بشيء ما لأنه من غير المعقول حسبه تعويض الذي احتل البلاد ونهب الثروات و أسال دماء العزل الأبرياء فالأمر شبيه -يضيف- محدثنا بمكافأة الظالم على ظلمه و الانحناء له شكرا على الظلم الذي اقترفه و لن يسمح لأي معمر المساس بذاكرة الذين قدموا أنفسهم حتى يحيا الوطن و أبناءه في ظل الحرية والسيادة والكرامة. و يؤكد المجاهد و الفدائي هيرسي عامر عضو بالجمعية أنه لو افترضنا أن الجزائر عوضت الأقدام السوداء بما يطالبون به فمن الذي بإمكانه تقييم ما دمر من أثار الجزائر وما نهب من خزائن مالها وخرب من أملاكها وممتلكاتها بين 1830 و 1962 ومن يعيد الحياة لمليون ونصف مليون شهيد وبالتالي فإنه من الأجدر أن تعترف فرنسا بجرائمها وتعوض الجزائر ما سلبته منها خلال 132 سنة. ويؤكد عضو آخر بالجمعية أن الأقدام السوداء الذين فضلوا مغادرة الجزائر بعد الاستقلال تلقوا تعويضات عند رحيلهم وفق ما كانت تنص عليه اتفاقيات ايفيان و بالتالي لا يمكن طرح هذا الأمر من أصله. من جانبه أكد المستشار والحقوقي الجزائري عمار خبابة ل »المساء« أن القضايا التي رفعها الأقدام السوداء لاسترداد ما يسمى ب »ممتلكاتهم« تعالج كل واحدة على حدة ولا يمكن أن تعالج مجتمعة، مضيفا أنه رغم ذلك فان هذه القضايا تطرح ضمن ما أقرته اتفاقيات ايفيان والتي تضمنت رعاية الاوروبيين الذين يريدون البقاء بالجزائر و الذي حصل آنذاك - يضيف مصدرنا - هو أن أغلبية هؤلاء غادروا الجزائر وتم في 1963 إصدار قانون الأملاك الشاغرة الذي دعا هؤلاء، إما إلى الالتحاق بهذه الممتلكات او الإقرار بشاغريتها. وحسب محدثنا هناك من التزم وهناك من لم يلتزم وعملا بما تضمنته اتفاقية ايفيان هناك من اختار اللجوء إلى السلطة الفرنسية آنذاك لتعويضه وبالفعل تم تعويضه. وعن خلفية ما يحدث، يؤكد محدثنا ان الملف هو الآن في الأصل ملف للتهويل و يحرك عشية وجود لقاءات أو تنظيم زيارات هامة بين الدولتين والقصد من كل هذا الشوشرة.