يكاد يجمع رجال القانون أن مبدأ الصفح الذي تم ادراجه منذ سنة في قانون العقوبات لم يأت بالجديد، كما كان منتظرا، بل ذهب آخرون الى حد وصفه باللاحدث، كون نوع القضايا التي يتم فيها تفعيل هذا المبدأ محدودة، وحتى نوع العقوبات تكون مع وقف التنفيذ، وطالب المتحدثون المشرع الجزائري بضرورة التفكير في سن قانون يلغي امكانية متابعة المشتكي على أساس الوشاية الكاذبة حتى يتم فعلا انقاص حجم القضايا المرفوعة لدى المحاكم· يبدو من خلال جولة استطلاعية قامت بها "المساء" لبعض محاكم مجلسي قضاء الجزائر وبومرداس أن رجال القانون قد ضاقوا ذرعا بقضايا ترفع اليهم وتزيد ضغط المتابعات الجزائية وتكون في الأساس مبنية على تفاهات أو أسباب كان من الممكن تغاضيها لو كان المتخاصمون ملمين ببعض الثقافة القانونية وبما يتعلق بالنصوص التشريعية الجديدة· وتساءل محامون في السياق هل الثقافة القانونية مجال تخصصي يترك لذوي الشأن فقط، أم أنها مجال حيوي مرتبط بمعيشة الناس اليومية وتتعلق بشؤونهم الحياتية؟ ويجيبون بلفت الانتباه الى أن كثيرا من الناس يستخفون بالقانون فيتركونه جانبا ولا يبحثون فيه ويتعاملون مع الغير بما يوحي إليهم حسن نيتهم وثقتهم بإدراكهم وثقافتهم فيقعون بالتالي ضحية لحسن نيتهم والاعتماد على بعد نظرهم الوهمي ويقعون أيضا في اشكاليات قانونية لا يخرجون منها الا بعد كوارث ومآس وخسائر مادية ومعنوية فادحة· ولا يطالب هنا المتحدثون أن يتحول جميع الناس الى طلاب حقوق وأن يدرسوا القانون ويتعمقوا فيه ويتابعوا كل ما يصدر من قوانين وقرارات قضائية وتعديلات أو العيش في هذه الدوامة التي تحمل يوميا كل ما هو جديد، ولكننا نقول أن أي مواطن مهما كانت ثقافته محدودة ومهما كان نوع عمله واهتماماته يجب أن يكون ملما وبشكل كاف بشتى أنواع القوانين ومطلعا بشكل معقول على الأساسيات القانونية التي تمس بشكل مباشر بالحياة اليومية للناس، والا فإنه سيكون كمن يعيش في حقل ألغام، خاصة بالنسبة لمن تعلق نشاطه المهني بالبيع والإيجار والمصاريف··· والتجارة بشكل عام، يقول المحامون· وفي هذا الإطار يعلق السيد "خالد الباي" وكيل الجمهورية لدى محكمة الرويبة في لقاء خاص ل "المساء" بقوله: لا يُعذر أحد بجهل القانون مشيرا الى أنه من الافضل أن يكون المواطن على دراية بحقوقه وواجباته ما يؤثر ايجابيا في علاقات المجتمع ويفعّل مبدأ الصفح بشكل بناء، الشيء الذي سيخفف حتما من ضغط القضايا على مستوى المحاكم· والمشرع الجزائري، يضيف السيد وكيل الجمهورية، رأى أن هناك قضايا تثقل كاهل المحاكم خاصة قضايا حوادث المرور وكذا مخالفات الضرب والجرح العمدي أو الإيذاء الخفيف وقضايا السب والشتم وترك الأسرة وعدم دفع النفقة وغيرها وبأحجام كبيرة فتوصل الى نقطة اعادة تعديل قانون العقوبات وتم ذلك تحت رقم 23/06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 وعلى ضوئه، عدلت قوانين تتعلق بتفعيل الصفح في المواد 298 المتعلقة بالقذف، و299 المتعلقة بالسب، و330 بترك الأسرة و331 المتعلقة بعدم دفع النفقة وفي المادة 442 فيما يتعلق بمخالفات المرور، ولا تتم المتابعة في هذه القضايا الا بناء على شكوى مرفوعة من المعني الضحية مودعة لدى الضبطية القضائية، ويتم إيقاف الدعوى نهائيا بصفح المدني أو الضحية سواء بتقديمه لمحضر تنازل أمام الضبطية أو بعريضة يقدمها أمام المصالح المعنية وبموجبها يوضع حدا للمتابعة الجزائية ويحفظ الملف لدى النيابة العامة يوضح المتحدث· وبتحديد أدق يلفت السيد وكيل الجمهورية الى أن الصفح يصدر من طرف واحد وهو الضحية، أما الصلح فيكون بين طرفي الخصومة ومن الجهتين· وخلافا لآراء بعض المحامين بأن مبدأ الصفح هذا لم يأت بالجديد، فإن محامين آخرين يعتقدون أنه سيكون له أثر ايجابي على المديين المتوسط والطويل وستزول هذه النقائص تدريجيا بدليل عدد المتخرجين سنويا من كليات الحقوق، كذلك دخول الجزائر في اقتصاد السوق يفرض على المواطن أن يطلع على كل ما له علاقة بحقوقه وواجبات خاصة من الناحية القانونية وكونه طرفا في العقود وعنصرا في الاقتصاد يستوجب عليه الإلمام ولو سطحيا بالقانون لمصالحه··وطالب هؤلاء المتحدثون من المشرع الجزائري ضرورة ايجاد ميكانيزم يلغي إمكانية متابعة المشتكي في القضايا المدرج فيها مبدأ الصفح على أساس الوشاية الكاذبة، وإن ثبت أساس الوشاية الكاذبة فيجب وقف الدعوى العمومية حتى لا تأخذ القضية منعرجات أخرى وبالتالي المساهمة في انقاص حجم القضايا على مستوى المحاكم· جدير بالاشارة الى أن القائمة طويلة في قضايا من الممكن أن يضع الصفح فيها حدا للمتابعة الجزائية ومنها قضايا ضرب الأصول التي تنتهي أغلبها بصفح الوالدين عن الأبناء المعتدين، سرقة الأصول، الضغوط المعنوية التي يتعرض لها الأصول، مخالفات حوادث المرور بعجز أقل من 3 أشهر، الجروح الخطأ بعجز أقل من15 يوميا وكذلك قضايا القذف والسب والشتم· مع الاشارة الى أن الصفح يلمس أكثر في القضايا التي يكون فيها الأقارب هم أطراف الخصومة· *