تكشف ملفات القضايا التي طرقت أبواب العدالة على تطور فكرة الإجرام في المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة حسب شهادة بعض رجال القانون.. وتشير المعطيات في هذا الصدد إلى أن سرقة الهواتف النقالة وتعاطي المخدرات في مقدمة الجرائم التي أحصتها مصالح الأمن والدرك الوطنيين في السنوات الأخيرة، مما أدى بالعدالة إلى اتخاذ إجراء تشديد العقوبات منذ عامين بعد أن تم سن قانون حظر حمل الأسلحة البيضاء سنة 2004 .. لكن هل أدى تشديد العقوبات إلى تراجع هذا النوع من القضايا؟ وهل يعد الحل الأمثل للردع؟. يؤكد العديد من أهل القانون أن إجراء تشديد العقوبات جاء بناء على الحقائق المسجلة في الساحة القضائية، والتي تشير إلى أن سرقة الهواتف النقالة وتعاطي المخدرات من أهم الجرائم التي أصبحت تطرح بدرجة ملفتة في السنوات الأخيرة.. وأن آفة استهلاك المخدرات زحفت إلى الوسط النسوي وإلى الشريحة المثقفة بصفة ملحوظة، حيث أن السبب الذي يمثل قاسما مشتركا بين مختلف الشرائح المستهلكة هو الهروب من المشاكل أو مخالطة رفاق السوء، خاصة في ظل عمل كلا الوالدين وانشغالهما عن أبنائهما، أما السرقة فتتم في الكثير من الأحيان نتيجة الظروف الصعبة. وبلغة الأرقام يتبين من خلال آخر إحصائيات مصالح الدرك الوطني أن ظاهرة المتاجرة بالمخدرات عرفت زيادة بنسبة 9.16 بالمائة خلال سنة 2009 مقارنة بما كانت عليه في سنة 2008، حيث تمت خلال 2009 معالجة 3253 قضية تتعلق بالمخدرات، ما يمثل 27.25 بالمائة من قضايا الجريمة المنظمة، والتي تم على إثرها إيداع 3800 شخص السجن، معظمهم تقل أعمارهم عن 30 سنة، ومن جهتها سجلت المجموعة الولائية للدرك الوطني بإيليزي انخفاضا في معدل الجريمة العادية خلال السنة المنصرمة مقارنة بسنة 2008 بسبب الانتشار الجيد لوحدات المجموعة، ففيما يتعلق بالإجرام العادي تم إحصاء 178 قضية خلال سنة 2009، منها 8 جنايات و170 جنحة تم بموجبها توقيف217 شخص مقابل 195 قضية سنة 2008، أما فيما يخص مكافحة المخدرات فقد تمت معالجة 4 قضايا خلال العام المنصرم أدت إلى حجز 315.8 كلغ، وتوقيف 4 أشخاص، وتجدر الإشارة إلى أن آخر الإحصائيات المتعلقة بسرقة الهواتف النقالة وحمل الأسلحة البيضاء لم تكن متوفرة لدى مصالح الدرك الوطني حين إنجاز الموضوع. وتباينت آراء المحامين المستجوبين بين من يرى في إجراء تشديد العقوبات حلا ناجعا ساهم في تراجع الإجرام الذي تنامى لاسيما في وسط المراهقين والشباب، وبين من اعتبره إجراء يفتقر إلى التطبيق الفعلي الذي من شأنه تحقيق الغاية المنشودة من إرسائه. لابد من التطبيق الفعلي للإجراء وبرأي الأستاذ بلقاسم فإن الآفات الاجتماعية ومختلف أنواع الجرائم ما تزال متفشية بنفس الحدة، وهو ما يشمل مختلف الجنح التي تم تشديد العقوبات بخصوصها: سرقة الهواتف النقالة، المخدرات وحمل الأسلحة البيضاء، لأن المشكلة تكمن في عدم الالتزام بالتطبيق الفعلي لإجراءات التشديد الردعية، أما المحامي إبراهيم فيرى أيضا أن عدم تطبيق إجراء تشديد العقوبات يحول في العديد من الأحيان دون تحقيق النتائج المرجوة. نفس الفكرة عبر عنها مصدر قضائي آخر من منطلق أن العديد من القضايا المتعلقة بالجنح سالفة الذكر تنتهي بإصدار أحكام بالسجن لمدة أطول مما كانت عليه منذ سنتين، لكن مع وقف التنفيذ.. ويتساءل المصدر: ما الجدوى من طول مدة العقاب عندما لا تكون غير نافذة؟ ومن جهتها ترى المحامية غربي أنه ليس هناك تراجع ملحوظ فيما يخص قضايا حمل الأسلحة البيضاء وسرقة الهواتف النقالة وكذا المخدرات بصفة خاصة، ذلك لأن مدة العقوبات المتعلقة بها تغيرت لكن الظروف التي تؤدي بالمراهقين والشباب وحتى باقي الشرائح إلى التورط في مثل هذه الجرائم لم تتغير. فالمعروف -حسب نفس المتحدثة- أن هذا النوع من الجرائم يعود في أحيان كثيرة إلى بعض المشاكل الاجتماعية، كما أن طول مدة الحبس قد تحول المجرم المبتدئ إلى مجرم محترف نتيجة الاحتكاك بكبار المجرمين، لذا فإن الجدير بالقول هو أن مواجهة الجريمة تقتضي القضاء على أسبابها من الجذور، وهو أمر لا تكفله العقوبات القاسية لوحدها، إنما مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة التي ينبغي أن تلعب دورها كما ينبغي ليكتسب الأبناء من القيم ما يحصنهم من مخاطر الانحراف والإجرام. التشديد لا يكفي لمواجهة استفحال الجريمة وعلى العكس من ذلك اتفقت آراء بعض الخبراء الحقوقيين على أنه بالرغم من أن إجراء تشديد العقوبات، والذي دخل حيز التنفيذ منذ حوالي سنتين، أدى إلى تسجيل تراجع خفيف في هذا النوع من القضايا لاسيما السرقة، إلا أن هذا لا يعني أن كبح جماح الإجرام يتوقف على النصوص القانونية فحسب. ويقول المحامي رابح سعيداني في هذا الشأن "إن إجراءات تشديد العقوبات ساعدت العدالة على التقليل من جرائم حمل الأسلحة البيضاء وسرقة الهواتف النقالة، مما يبرز نجاعة هذا الإجراء في الحد نوعا ما من تنامي الجريمة". وتضيف من جهتها الأستاذة سعاد غربي أن إجراء تشديد العقوبات حقق نتائج إيجابية خاصة فيما يتعلق بقضايا السرقة، فكثيرون أصبحوا يحسبون لها الآن ألف حساب، لأنها تكلف سنوات من الحبس وليس بضعة أشهر فقط كما كان الحال في السابق، فضلا عن أن تشديد العقوبات أسهم في تراجع نسبة العود الإجرامي لنفس السبب. غير أن ظاهرة حمل الأسلحة البيضاء لم تتراجع رغم القانون الذي صدر سنة 2004، والذي يقضي بتوقيف كل من يحملها حتى وإن لم يكن ذلك بغرض الاستعمال، الأمر الذي يعود إلى غياب الوعي القانوني من جهة وتأثير الذهنيات التقليدية التي تعزز فكرة أن حيازة السلاح الأبيض نوع من الحماية للفرد من مخاطر الاعتداء، حسب المتحدثة، وصرح بعض المحامين في إطار نفس الموضوع بأن تشديد العقوبات ساهم في تراجع نسبة الإقبال على الجنح المذكورة آنفا - باستثناء المخدرات - بحوالي 2 في المائة، ومن المرجح أن يسفر عن نتائج أكثر إيجابية على المدى الطويل.. ففيما يخص سرقة الهواتف النقالة مثلا يلاحظ أن كثيرين أصبحوا لا يجازفون بسرقة أي هاتف نقال كما كان الحال عليه في السنوات الماضية، إنما السرقة صارت تستهدف الهواتف الغالية. ويقدم الأستاذ نبيل وجهة نظره بالقول "لقد سبق وأن عملت في مكتب محضر قضائي، ومن خلال القضايا التي كان يطلعني عليها تبين لي وجود تراجع ملحوظ في عدد القضايا المتعلقة بالسرقة، غير أن هذا لا يعني أن الردع مرهون بتشديد العقوبات فحسب، بل المسألة بحاجة إلى مراعاة الظروف الاجتماعية والمشاكل النفسية التي تقف في العديد من الأحيان وراء التورط في مثل هذه القضايا، إضافة إلى تأثير الفراغ الذي تعيشه نسبة معتبرة من المراهقين والشباب ليدفعهم إلى توظيف طاقاتهم في الإجرام".