اختتمت أول أمس بتونس الدورة التدريبية التي نظمها المعهد العربي لحقوق الإنسان على مدار أسبوع كامل لفائدة الإعلاميين الجزائريين حول موضوع "العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في الجزائر" . وتناولت محاور التدريب التي اشرف عليها محامون ورجال قانون من الجزائر، تونس والمغرب، تجارب الدول التي انهت نزاعاتها الداخلية ومراحل أزمات دموية مرت بها بتطبيق العدالة الانتقالية التي ترمي أساسا إلى ايجاد حلول بديلة عما هو قانوني بحت، الهدف منها الكشف عن الحقيقة وجبر الاضرار، وصون الذاكرة الجماعية للأمة، ونشر قيم التسامح والتكافل في المجتمع لتجنيبه تكرار الأخطاء والانتهاكات الجسيمية التي حدثت في زمن الازمة، مع الاشارة إلى ان هذا الإجراء لا يحمل بالضرورة الطابع الجنائي وإنما عادة ما يأتي في شكل مبادرة سياسية ترمي إلى خدمة الصالح العام للبلاد بانهاء صفحة أليمة وفتح صفحة جديدة من عهد السلم والحوار والتسامح والبناء الاقتصادي والاجتماعي مع الاحتفاظ بحق الاجيال في معرفة الحقيقة وواجبهم في صيانة الذاكرة الجماعية . وفي هذا الإطار فقد تم خلال المحاور الاولى لبرنامج الدورة والتي شملت عرض المبادئ الأساسية وآليات العدالة الإنتقالية إبراز ضرورة وجود إرادة سياسة لدى الدولة لتطبيق هذه العدالة التي تعتبر خيارا سياسيا لابد منه لإنهاء مرحلة أليمة من تاريخ مجتمع، وإحداث قطيعة مع ممارسة غير شرعية، وانصاف الضحايا بالتعويض المادي والمعنوي عما لحق بهم من أضرار، مع الإشارة إلى أن تطبيق هذه العدالة الانتقالية في دولة من الدول يتأثر بالاساس بخصوصيات هذه الدولة وأعرافها، كما هو الشأن بالنسبة لجنوب إفريقيا التي ساهم فيها العامل الديني (المسيحية) بشكل اساسي في انجاح عمل مفوضية الحقيقة والمصالحة التي ترأسها رجل الدين "ديسموند تيتو" والتي يعود لها الفضل في انهاء نزاع دام تسبب فيه نظام الابارتيد. كما استعرضت الدورة التدريبية التي شارك فيها صحفيون من مختلف الصحف الوطنية من بينهم "المساء"، تجربة هيئة الانصاف والمصالحة في المغرب، حيث تطرق الاستاذ شوقي بنيويب الذي كان أحد اعضائها إلى مختلف مراحل عمل هذه الهيئة التي امتد تخصصها الزمني من 1956 إلى 1999، وقامت بتجميع كل المعطيات والمعلومات والشهادات حول الانتهاكات الجسيمة التي وقعت خلال الفترة المذكورة، ونظمت جلسات الاستماع العمومي التي سمحت للضحايا بالكلام لأول مرة دون قيود عما تعرضوا له من قمع واعتقال وتعذيب، وفي نفس الوقت تقديم شهاداتهم حول الخروقات التي أدت إلى حالات الوفاة والاختفاء القسري. ومن جهته تناول الأستاذ مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التجربة الجزائرية في تحقيق العدالة الانتقالية، والتي مرت بعدة مراحل شملت المبادرات السياسية والرئاسية التي سعت إلى انهاء اعمال الإرهاب التي عرفتها بلادنا خلال العشرية السوداء، وتناول السيد بوشاشي بالشرح القانوني مختلف المواد القانونية التي جاءت في قانون الوئام المدني ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي صادق عليه، الشعب في 29 سبتمبر 2005، وتضمنت الاوامر الرئاسية الصادرة في 27 فيفري 2006 كيفيات تطبيق الميثاق، من خلال معالجة مخلفات المأساة وتعويض الفئات المتضررة منها. وفي هذا السياق اعتبر المحامي المغربي شوقي بنيوب أن خصوصية التجربة الجزائرية وضراوة الاحداث التي عرفتها الجزائر خلال العشرية المذكورة، لا يتناسب معها إلا تسمية المأساة الوطنية التي أطلقها عليها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وذلك لعدة أسباب من أبرزها أن الجزائر التي تعد رائدة الدول العربية في تطبيق الديمقراطية لا تستحق ما أصابها من تلك المحنة خلال مرحلة التسعينيات.