مرت امس الذكرى 36 لرحيل احد عباقرة وأعمدة الفن الجزائري، رائد الغناء الشعبي "محمد العنقى" رحمه الله، ترك بصمة بارزة في الفن عامة والغناء الشعبي خاصة، قاعداته تجاوزت زمنها ولا زالت تذكرها النفوس الى اليوم، أقواله ألهمت مجتمعا ولازالت تردد الى حد الساعة. الحاج محمد العنقى من مواليد 20 ماي 1907، رحل عنا ذات 23 نوفمبر من عام 1978، يعتبر من رواد أغنية الشعبي. كان الحاج محمد العنقى عازفا على آلة الموندول، سجله يضم 350 أغنية سجل ما يقارب 130 منها. ولا زالت أغانيه شائعة اليوم وتأثر بشكل قوي بالثقافة الشعبية أكثر من أي وقت مضى. اسمه الحقيقي آيت أوعراب محمد إيدير، مولود بالقصبة بالجزائر العاصمة. ينحدر من عائلة بسيطة ترجع أصولها إلى بني جناد بتيزي وزو. ولم يدخر والداه محمد بن حاج سعيد وأمه فاطمة بنت بوجمعة جهدا في السهر على تربيته وتعليمه، فبعد المدرسة القرآنية انتقل إلى المدرسة العمومية ليقضي بها بضع سنوات، ليغادرها فيما بعد وهو في سن الحادية عشر من عمره، وقد كان ذلك تمهيدا لمباشرة العمل في الحياة اليومية حيث أبدى اهتماما بالأغنية الشعبية. يعود الفضل في اكتشافه إلى الشيخ مصطفى الناظور الذي أعجب به كثيرا، فضمه إلى فرقته الموسيقية كضارب على آلة الدف وهو لا يزال طفلا صغيرا. واصل العنقى المشوار الذي بدأه مع شيخه رغم معارضة والده الذي كان يهدده بل ووصل به الأمر إلى حد الضرب، لكن حب الفن كان أقوى، فرضخ الوالد للأمر الواقع. وكانت من بين مميزات العنقى وهو صغير القدرة والسرعة على الاستيعاب رغم بساطة مستواه الدراسي. وبعد الضرب على الدف، تعلم العنقى العزف على آلة المندولين التي أتقن استعمالها بعد مدة قصيرة، مما جعل شيخه الشيخ الناظور يطلق عليه لقب العنقى نسبة لطائر العنقاء. وإثر وفاة معلمه الشيخ الناظور سنة 1925 تولى محمد العنقى قيادة الفرقة الموسيقية، وكان لتوليه قيادة هذه الفرقة بداية تكوينه لنفسه، إلى أن تحصل على لقب شيخ وهو ما يزال في ريعان الشباب. ولصقل موهبته أخذ العنقى يتردد على محل كان متواجدا بشارع مرنفو (شارع ذبيح الشريف الحالي)، ليلتحق بمعهد سيدي عبد الرحمان للموسيقى الذي قضى به مدة خمس سنوات، وبعدها أصبحت لديه قدرات ومهارات فنية خارقة. وفي هذه الفترة افتتحت دار الإذاعة واستدعي رفقة العديد من فناني تلك الفترة كالشيخة يمينة بنت الحاج المهدي والحاج العربي بن صاري لتسجيل عشرات الأسطوانات التي عرفت نجاحا كبيرا في ذلك الوقت. وفي أعقاب اندلاع الحرب العالمية الثانية، قاد الحاج امحمد العنقى الفرقة الموسيقية الشعبية الأولى للإذاعة، ثم كمكلف بتعليم الشعبي، وفي عام 1955 التحق بالمعهد البلدي للموسيقى حيث تتلمذ على يديه العديد ممن حملوا المشعل من بعده، مثل عمر العشاب، احسن السعيد، رشيد السوكي، ومن بعدهم حسيسن، مهدي طماش، كمال بورديب وعبد القادر شرشام... وغيرهم. وواصل العنقى مسيرته الناجحة إلى أن اكتسب مكانة مرموقة في دنيا الفن في الجزائر وخارجها ولقبوه دائما بأبي الشعبي، لكنه كان يقول دائما وبتواضع كبير إنه ليس أب الشعبي.