اعتادت كل أذن جزائرية على سماع صوته الرنان وهو يغرد كالبلبل من فوق الشجرة، تربى على يده عمالقة الفن الشعبي، على غرار الهاشمي قروابي وبوجمعة العنقيس وبورحلة محمد، تعلق بالتاركتعلق الرضيع بحضن أمه، ولا زالت أغانيه شائعة اليوم وتأثر بشكل قوي على الثقافة الشعبية أكثر من أي وقت مضى، من أشهر أغانيه التي يردها الجزائريين "سبحان الله يا لطيف" التي أطربت آذان مستميعها في الأفراح والمناسبات والمقاهي ومختلف الأماكن العمومية، بصوته دخل كل البيوت الجزائرية وبعث الفرحة في نفوسهم، كيف لا ونحن نتذكر اليوم ابن القصبة العتيقة...عملاق الأغنية الشعبية الحاج محمد العنقى... ولد الحاج العنقى واسمه الحقيقي آيت عراب محمد إيدير هالو سنة 1907 بالقصبة بالجزائر العاصمة، في عائلة متوسطة الدخل تنحدر أصولها من منطقة بني جناد بولاية تيزي وزو، تعلم القرآن الكريم في سن مبكرة وبعدها دخل إلى المدرسة إلا أنه لم يتمكن من استكمال تعليمه بسبب الظروف المادية الصعبة التي كان يعيشها، ومن هنا انطلقت رحلتها معت الفن. من الطرائف التي حصلت مع الحاج العنقى يوم ميلاده، بالتحديد يوم تسجيله في الحالة المدنية، حيث توجه والده رفقة خاله إلى مقر البلدية، فسأل الموظف الفرنسي عن هوية كل واحد منهما، فأجابه الخال باللغة العربي "أنا خالو" –أي أنا خاله-، فكتبها الموظف الفرنسي في اسمه، ومن هنا كانت تسمية "هالو" في الاسم الكامل للحاج محمد العنقى في الوثائق الرسمية. انظم الحاج العنقى إلى فرقة الشيخ مصطفى ناظور عن طريق سي السعيد العربي، أين تمكن من التميز واهتمام شيخه به بعد ملاحظته لنبوغه وحفظه السريع للنوبات وتعلمه العزف واتقان الاستخبارات واحساسه الفطري والمرهف بالايقاعات، فمكن له ذلك من الحضور للحفلات الحية مع شيخه بعد فترة قصيرة جدا من انظمامه،وبعد وفاة الشيخ مصطفى ناظور استلم الحاج محمد العنقى قيادة الفرقة. وكان عام 1928 نقطة تحول في حياته الفنية، فخلاله بدأ يتعرف على جمهور أوسع وبدأت شهرته تجوب أرجاء الوطن، وبعد عودته من الحج عام 1937 أعاد تنظيم حفلاته التي جابت أرجاء الوطن وأيضا الدول المجاورة وفرنسا، وفي عام 1955 التحق الحاج بالكونسيرفاتوار الوطني المتواجد بالجزائر العاصمة بصفة مدرس أول لطابع الشعبي، وتكونت على يديه نخبة من عمالقة هذا الفن الذين استلموا منه المشعل بعد أن قدم لهم كل الدعم المعنوي وزودهم بالقواعد والأصول في الموسيقى الأندلسية والشعبية، ومنهم إضافة إلى من ذكرناهم سابقا: عمار العشاب، حسان السعيد، رشيد شوكي. معروف عن الحاج العنقى أنه كان قليل الكلام وإذا تكلم تكلم بالمعاني فصيغة المباشرة في العبارات لم يستعملها كثيرا حتى في الكلام العادي، وهذا لتأثره بالقصائد الشعبية التي كان يغنيها والتي يكون فيها الكلام عادة معاني عن أشياء محسوسة، إلى درجة أن بعض عباراته حين الغناء لا تفهم، إذ يجب عليك أن تقرأ القصيدة حتى تستطيع فهم ما يقول بصفة كاملة، ولم يكن هذا تقصيرا منه في التلفظ ولكنها كانت الميزة التي تميزه عن غيره. قدم الحاج محمد العنقى أكثر من 360 قصيدة، وكان آخر ظهور له قبل وفاته المنية يوم 23 نوفمبر 1978،حفلتين حميمتين، الأولى بمناسبة زواج البنت الصغرى لشيخه مصطفى ناظور وكان ذلك عام 1976 بمدينة شرشال. والثانية بمدينة الأبيار سنة 1977. هبة الرحمان