تحضر العائلات البليدية هذه الأيام للاحتفال ب"يناير" رأس السنة الأمازيغية الجديدة (2962) أو ما يعرف أيضا ب"العام" في أجواء بهيجة يعمها النشاط والحركة عبر الأسواق والمحلات وتذكر بالعلاقة الأزلية التي ربطت الانسان بفصول السنة وبالأرض وخيراتها. ومنذ القدم تقوم عائلات مدينة البليدة بتحضير عشاء مميز لليلة 12 جانفي من كل سنة تميزه أطباق شهية وحلويات دقيقة الاتقان وتتوج المأدبة بسهرة عائلية يوزع فيها "الدراز" الذي يتكون خاصة من اللوز والجوز والفسدق ومختلف الفواكه الجافة. وفي المناطق الريفية بالبليدة ومن دون شك بمختلف المناطق الأخرى من الوطن تقوم ربات البيوت أسبوعا من قبل بتنظيف المنازل و تزيينها و شراء أواني جديدة للمطبخ لطهي الوجبات اللذيذة الخاصة بالمناسبة والتي يخصص لها نحر الديك الرومي أو الدجاج لحضير مرق الرشتة أو الشخشوخة أو الكسكسي (الطعام). وفي القديم عندما كان يسعمل "الكانون" لطهي الأكل كانت السيدات تقوم بتغيير "مناصب" هذا الكانون وهي الحجيرات الخمسة التي يوضع فوقها القدر أو الطنجرة . وفي الأسواق يعتبر الاحتفال بالنسبة للتجار مناسبة لعقد الصفقات حيث يعرضون أحسن أنواع المكسرات كالجوز والبندق و اللوز والفول السوداني بالإضافة إلى مختلف أنواع الحلوى و سلات الفواكه. ويعطي الاحتفال ب/يناير أو "العام" للطفل مكانة مميزة حيث يخصص له نصيب من الحلويات و المسكرات والفواكه الجافة في دلالة رمزية على بدء السنة الجديدة بطريقة حلوة. ويحظى كل طفل في العائلة ب"سلته الخاصة" مملوءة بالفواكه الجافة والحلوى.ويحاول كل طفل أن يحافظ على هذا "الكنز" قدر ما استطاع بألا يستهلكه في عجالة . وفي القديم كانت السلة هي عبارة عن كيس صغير من القماش تخيطه الأمهات وتعطي في سهرة يناير لكل طفل كيسه المملوء بكل ما لذ وطاب والذي عليه أن يحافظ عليه مملوءا لوقت أطول مما يدرب الأطفال على الاقتصاد والنظام. وخلال السهرة يوضع أصغر أو طفلة في العائلة "المعزوزي" في الجفنة (القصعة) وتكسب فوقه محتويات سلة الحلويات و المكسرات في أجواء من البهجة و السرور وذلك تفاؤلا بوفرة الخيرات خلال العام الجديد. ويدوم الاحتفال بهذا الحدث التاريخي و الثقافي المرتبط بدورة المواسم الفلاحية من يومين إلى أربعة أيام في أجواء من التراحم والتضامن والدعاء بعام جديد يكثر فيه الخير والبركات وبحصاد وفير. والاحتفال ب/يناير هو أيضا مناسبة للتقرب و الصلاة لشكر الله على نعمه خاصة لدى سكان الأرياف الذين ترتبط حياتهم اليومية بما تجود به الأرض الزراعية والذين يدعون الله بأن تككل جهودهم في حرث الأرض وفي غراستها بحصاد وفير وبغلات جمة تقيهم شبح الحاجة والاحتياج . وهكذا يعود "يناير" أو "العام" ليذكر مع اختلاف كل منطقة في الاحفال به بتلك العلاقة الأزلية التي كانت للانسان مع الأرض مورد رزقه وبهجته وبالتنظيم المحكم الذي ربط البشر مع فصول الطبيعة منذ القدم.