عرفت الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة نشاطا بارزا خلال السنوات الأخيرة ميزها نجاح ملتقى الجزائر الاقتصادي الثالث الذي عقد في جانفي 2008، ومشاركة رئيس الغرفة في العديد من الملتقيات العربية والأوروبية التي طالما غابت عنها الجزائر طويلا، جريدة المستقبل قابلت السيد إبراهيم بن جابر رئيس الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة في مكتبه وأجرت معه هذا الحوار. ما هو الدور الذي لعبته الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة في الترويج لفرص الاستثمار في الجزائر؟ كان لنا الشرف لتمثيل الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة خلال السنتين ونصف الأخيرة، وقد تميزت نشاطات الغرفة في هذه الفترة بالكثافة حيث شرعنا في الترويج لإمكانيات الاستثمار بالجزائر بعد أن لاحظنا أن هناك عجزا في تسويق صورة الجزائر بالخارج وهذا ما أثر سلبا على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى بلدنا، وبعد العمل الذي قمنا به في هذا الجانب من خلال مشاركتنا في عدة مؤتمرات اقتصادية في دول الخليج والشرق الأوسط وأوروبا، لمسنا اهتماما لرجال الأعمال العرب بالسوق الجزائرية، وقد ركزنا في عملية الترويج للاستثمار في الجزائر على قطاعات السياحة والزراعة والقطاع البتروكيماوي إلى جانب ملف خصخصة المؤسسات العمومية، ولم يعد توجه رجال الأعمال الأجانب للاستثمار بالجزائر أمرا غريبا، حيث فوجئ الكثير من رجال الأعمال الخليجيين خلال زيارتنا إلى بلدانهم للعدد الكبير لسكان الجزائر الذي يفوق حاليا 35 مليون نسمة، ومنهم من اندهش من العدد الكبير لطلاب الجامعات الجزائرية الذي يفوق عدد سكان دولة خليجية، أما في بعض الدول الغربية فتفاجأوا بتطور التشريع الجزائري الذي يعطيهم الحرية الكاملة في الاستثمار بحيث يمكنهم تملك 100 بالمئة من رأسمال الشركة في بعض القطاعات. ولكن هناك تعديلات جديدة تمنع المستثمر الأجنبي من تملك أكثر من 49 بالمئة من الاستثمارات في الجزائر؟ رغم التعديلات التي استحدثت في التوجيه العام للاستثمارات وليس في التشريع إلا أن الاستثمار في الجزائر لازال جذابا بشكل كبير وكبير جدا، ونحن في الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة عازمون على تشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية خاصة تلك التي لها قيمة مضافة عالية والتي يمكن للشركات أن تحول أرباحها من الموارد التي سوف تنتجها من المواد المصدرة أو من المداخيل المكتسبة من الخدمات التي تقدم للأجانب. ما سميته بالتعديل في التوجيه العام للاستثمارات يشدد على مسألة تحويل الأموال وإعادة استثمارها في الجزائر، خاصة بعد أن بلغ حجم الأموال المحولة من الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يعادل 22.3 مليار دولار، ألا يؤدي قرار من هذا النوع إلى هروب المستثمرين من الجزائر؟ بعض الخبراء الجزائريين روجوا فكرة أن المستثمرين الأجانب حولوا ما بين 7 و50 مليار دولار من الجزائر إلى الخارج، ولكني سمعت من وزير الصناعة وترقية الاستثمارات السيد حميد تمار أن التحويلات التي قامت بها الشركات الأجنبية خارج قطاع المحروقات لا تتجاوز 1.5 مليار دولار خلال السبع سنوات الأخيرة، وهناك شركة عربية تجاوزت قيمة تحويلات أرباحها بالعملة الصعبة خلال هذه الفترة مليار دولار بينما تقاسمت 60 شركة أخرى أقل من 500 مليون دولار من التحويلات، وقد كذب الوزير عبد الحميد تمار تكذيبا قاطعا أن تكون تحويلات أرباح الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر قد تجاوزت 20 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، وهذا لا يمنعنا من أن نكون يقظين بشكل لا تصبح نسبة هذه التحويلات خطرا على ميزانيتنا وتوازناتنا الخارجية. مستثمرون أجانب يطرحون إشكالية حصولهم على أقل من نصف الأسهم مما يحرمهم من تسيير المشروع أو الشركة كيف توضحون هذه النقطة؟ بالعكس بإمكان الشركات العربية والأجنبية تسيير الشركة حتى ولو لم يكونوا يملكون الأغلبية في الشركة، وعلى سبيل المثال شركة الإسمنت زهانة بسيدي بلعباس التي يملك رجل الأعمال غيث فرعون 30 بالمئة من أسهمها ولكن لديه حق التسيير وتمكن في ظرف عام واحد من مضاعفة إنتاج المصنع من 600 ألف طن سنويا إلى 1.2 مليار طن سنويا. يشتكي مستثمرون جزائريون وأجانب من ارتفاع حجم الضرائب وهناك من الخبراء من يرى عكس ذلك، فما هو حجم هذه الضرائب؟ حجم الضرائب على الأرباح تبلغ 19 بالمئة بعد أن كانت 25 بالمئة، ثم تأتي الضريبة على الدخل الفردي والمقدرة ب15 بالمئة، والمستثمرون لا يقلقهم حجم الضرائب بقدر ما يقلقهم عدم استقرار التشريع. ما هو تقييمكم للاستثمارات العربية خلال السداسي الثاني من العام 2008 والتي تشهد نوعا من الركود؟ لا يمكنني الإجابة بشكل مباشر على هذا السؤال لأن مهمتنا في الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة ليست متابعة هذه الاستثمارات وإنما هي مهمة الوكالة الوطنية لترقية وتطوير الاستثمار، ومع ذلك يمكننا القول أن بعض الشركات الأجنبية لم تتابع مشاريعها في الجزائر بالشكل المطلوب، وهناك من يعاني من عجز في التمويل، بالإضافة إلى بعض المشاكل البيروقراطية. ما هي النتائج التي خرجت بها اللجنة المشتركة الجزائرية الكويتية خلال اجتماعها بالجزائر مؤخرا؟ اجتماع اللجنة المشتركة الجزائرية الكويتية في الجزائر في دورة عادية وقعت على 5 اتفاقيات لكن ما يهمنا هو الاتفاقية الموقعة بين غرفتي التجارة والصناعة الكويتية والجزائرية والتي ستقنن مستقبلا، حيث تنص هذه الاتفاقية على تبادل الوفود بهدف تطوير الاستثمارات الكويتية في الجزائر، وتشجيع الصادرات الجزائرية إلى الكويت، لأننا اكتشفنا أن الإخوة الكويتيين يجهلون الكثير من الإمكانات الإنتاجية للجزائر، وسنعمل من خلال هذه الاتفاقية على تجاوز هذا الإشكال من خلال تكثيف عمليات الترويج للمنتوجات الجزائرية القابلة للتصدير في السوق الكويتية، كما أن الكويت سحبت أموالا ضخمة من البنوك الأمريكية والأوروبية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وهي تبحث عن فرص لاستثمار هذه الأموال، وعلينا أن نستقطب حصة من هذه الاستثمارات لتوظيفها في الجزائر خاصة في قطاعات السياحة والإسمنت وتحلية مياه البحر وملف خصخصة المؤسسات العمومية. ما هي أبرز المشاريع الكويتية في السوق الجزائرية؟ المجالات التي طرحت علينا تخص ميادين تحلية مياه البحر، والسياحة من خلال مشروع القرية السياحية بعين طاية لشركة جراند الجزائر، ومشروع لشركة النقل الجوي البابطين، بالإضافة لمشاريع لبيت التمويل الكويتي الذي يمثل تجمعا ل12 مؤسسة تنشط في عدة ميادين، وقد زاروا الجزائر في 2007 وكانوا يبحثون عن فرص للاستثمار بالجزائر، وفي نفس العام استقبلت رئيس غرفة التجارة والصناعة الكويتية والذي حظي أيضا باستقبال فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وتمت مناقشة ملف الاستثمارات الكويتية في الجزائر وسبل تطويرها. كيف يمكن تطوير الاستثمار الكويتي في الجزائر؟ تجربة الاستثمارات الكويتية في الأردن جديرة بالاهتمام، فخلال زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني للكويت في 2006 لم تكن تتجاوز الاستثمارات الكويتية في المملكة الهاشمية 600 مليون دولار، وبعد طرح رجال الأعمال الكويتيين للمشاكل التي يواجهونها للاستثمار في الأردن، وخلال عام واحد فقط ارتفعت الاستثمارات الكويتية في الأردن عشر مرات لتصل في 2007 6 مليار دولار. وكالة ترقية الاستثمار تحدثت في جانفي 2008 عن استثمارات عربية مرتقبة ب19 مليار دولار، ولكن أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي تتحدث عن مليار دولار فقط من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السداسي الأول من 2008، ما هو تفسيركم لهذا التباعد بين الرقمين؟ السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي قال إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت مليار دولار خلال السداسي الأول من عام 2008، ولكن هذا لا يعني أن مجمل الاستثمارات لا تتجاوز هذا الرقم بل على العكس، فعندما نتحدث عن مليار دولار فإننا نقصد عن حجم التحويلات الأولية لتأسيس وتمويل هذه الاستثمارات دون الحديث عن إجمالي قيمة الاستثمارات الحقيقية التي تمثل ثلاثة أضعاف على الأقل الرقم المذكور آنفا، لأن البنوك تقوم بتمويل ثلثي قيمة المشروع، أما بالنسبة لرقم 19 مليار دولار من الاستثمارات العربية المرتقبة الذي تحدثت عنه الوكالة الوطنية لترقية وتطوير الاستثمار فلا أعتبر أن هذا الرقم خيالي كما يعتقد البعض، غير أننا قد لا نصل إلى هذا الرقم نهاية العام الجاري بسبب أزمة الرهن العقاري التي تطورت إلى أزمة مالية واقتصادية، لحد الآن لا توجد أرقام عن التحويلات المالية بالعملة الصعبة إلى الجزائر مادام أن العام 2008 لم ينقض بعد ولكنني أرتقب أن يصل حجم هذه التحويلات مليار ونصف المليار من الدولارات أو ما يمثل إجمالي 7.5 مليار دولار خلال العام 2008، ومع ذلك فهناك تراجع مقارنة بالعام الفارط، الذي بلغت في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 10 مليارات دولار حسب وكالة الأنباء الجزائرية. هل من الممكن أن تتحول الجزائر إلى منصة لتصدير المنتجات بعد استكمال المشاريع العربية في ميادين الحديد والإسمنت والألمنيوم بشكل خاص؟ مشروع مصنع الألمنيوم في مستغانم والذي يبلغ حجم الاستثمارات به 5 مليارات دولار، جرى الحديث عنه في 2007 ومن شأن هذا المشروع أن يرفع حجم الناتج الإجمالي الخام من 1 إلى 1.5 بالمئة، غير أن الإشكال الذي يطرحه هذا المشروع أن المادة الأولية (البوكسيت) تستورد من الخارج، ولكن بالنسبة لتصدير الإسمنت فهذا الأمر ممكن لأننا ننتج حاليا 14 مليون طن من الإسمنت وستصل احتياجاتنا من هذه المادة نهاية العام القادم 18 مليون طن، وإذا كانت هناك استثمارات إضافية فبإمكاننا تصديره إلى الخارج، خاصة وأن الجزائر تتمتع بموقع استراتيجي فهي قريبة من أسواق الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، أما بالنسبة للحديد الصلب فستضطر الجزائر إلى استيراد الحديد الخام من الخارج لتطوير صناعة الحديد الصلب، لأن إنتاج منجم الونزة من الحديد الخام موجه كله إلى مركب الحجار الذي تملكه شركة هندية، لذلك فمشروع مصنع الحديد الصلب ببلارة بجيجل الذي تملك شركة حديد عز المصرية أغلبية أسهمه سيضطر لاستيراد الحديد الخام من الخارج، وتبقى الإشكالية المطروحة لماذا لا يستغل منجم غار جبيلات بتيندوف الذي يعد أكبر منجم للحديد في العالم؟ ومع ذلك فإن تمديد خط السكة الحديدية من بشار إلى تندوف البعيدة عن ميناء وهران ب1500 من شأنه حل مشكل عزلة هذا المنجم وصعوبة نقله، كما أن هناك إشكالية عدم تشييد مصنع في تيندوف. لماذا لا يتم تصدير حديد غار جبيلات عبر الموانئ الموريطانية القريبة من المنجم؟ أقرب ميناء من غار جبيلات هو ميناء نواديبو في شمال موريطانيا ومع ذلك فهو يبعد عن منجم غار جبيلات بنحو 700 كيلومتر. مجموعة الاقتصاد والأعمال أعلنت بعد نجاح ملتقى الجزائر الاقتصادي الثالث الذي نظمته بالتنسيق معكم عن تنظيم المؤتمر سنويا، فهل بدأتم التحضير للمؤتمر الرابع؟ لا أعتقد أن تنظيم مؤتمر مجموعة الاقتصاد بالجزائر سنويا سيجذب الاهتمام المطلوب خاصة إذا كان مؤتمرا عاما يشمل كل القطاعات، وأفضل أن ينظم هذا المؤتمر كل سنتين، غير أنه يمكن تنظيم ملتقيات قطاعية بين كل ملتقى وآخر، خاصة في قطاع السياحة. يشكو الكثير من رجال الأعمال العرب من نقص المعلومات حول فرص الاستثمار في الجزائر فضلا عن المنتجات التي يمكن استيرادها من هذا البلد، فأين الخلل؟ أول من عانى من العجز في الترويج للاستثمار في الجزائر هو الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة وذلك لسببين أولهما عدم وجود التمويل الكافي، والثاني حاجتنا لتغيير جذري في طريقة تسيير الغرفة وفي قانونها الأساسي حتى تتحول من مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري وصناعي إلى مؤسسة عمومية ذات طبيعة خاصة، فلا يمكن لأعضاء الغرفة القيام بمهمتهم إذا لم تكن لهم إمكانية التحكم في الغرفة، فالمدير العام للغرفة معين بمرسوم ورئيس الغرفة منتخب، وهو ما يخلق ازدواجية في سلطة اتخاذ القرار مما يؤدي إلى تقليص طموحات الغرفة في تطوير نشاطاتها لأسباب بيروقراطية محضة.