مرشح أصبح يجلب الأنظار، ويصوره متتبعون على أنه أوفر حظا لكي يحتل المرتبة الثانية بعد المترشح المستقل عبد العزيز بوتفليقة، أنصاره يعتبرونه زعيم حزب قادرا على ملء الفراغ الذي سيتركه رحيل زعماء ارتبط اسمهم بالثورة التحريرية والمعارضة في عهد الحزب الواحد والتعددية، لكن خصومه يصفونه بغير القادر على التحول الى شخصية كاريزمية ويرجعون نجاحه الى اعتماده على المنشقين والمقصيين والناقمين على أحزابهم السابقة، واختيار تسمية لحزبه قريبة من حزب جبهة التحرير الوطني في مغالطة تشفع له في الكثير من المناسبات الانتخابية. موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية يوصف بأنه يمارس أسلوب المهادنة تارة وأسلوب التصعيد مرة أخرى في محاولة للبقاء في الواجهة وكسب قلوب وعقول المواطنين، لكن دون أن يؤثر ذلك على العلاقة الناشئة بينه وبين السلطة، وهو الذي فاجأ الصحافيين في إحدى ندواته الصحفية للتنديد بتعديل الدستور بمناداة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ب"فخامة الرئيس"، وفهم الجميع الرسالة على أنها تنصب في سياق رفض أسلوب التصعيد كما أن تواتي لا يمارس المعارضة على طريقة من سبقوه الى هذا النهج من أمثال حزب التجمع الوطني الديموقراطي رغم أنه يقدم نفسه على أنه حزب معارضة. ابن مدينة تابلاط بولاية المدية ولد رابعا في عائلة من سبعة إخوة في 03 أكتوبر 1953، وككل أبناء سنه عاش طفولته في مسقط رأسه، حيث زاول دراسته الابتدائية، ولكن قبل ذلك عرف استشهاد والده سنة 1958 وهو لم يتجاوز الخمس سنوات. وتنقل الطفل موسى بعدها الى العاصمة ودرس باكمالية ابن خلدون بمرمار برايس حميدو، وشفعت له متابعته لدراسته في مركز لأبناء الشهداء لان ينال حظ متابعة تكوين خاص بسوريا ثم ليبيا ضمن دفعة أمر الراحل هواري بومدين شخصيا بإرسالها للتكوين ضمن خطة كانت ترمي إلى تكوين فئة من المنتسبين للجيش الوطني الشعبي. من الأمن العسكري إلى زعيم سياسي وبالفعل انضم تواتي الى الامن العسكري بعد فترة قضاها في الجمارك الجزائرية وبقي في الامن العسكري لمدة اربع سنوات من سنة 1984 الى 1988، لتكون وجهته هذه المرة تطليق الأسلاك المشتركة نهائيا ودخول بوابة النضال "في الشارع" حيث انضم الى منظمات تعنى بالدفاع عن حقوق أبناء الشهداء، لكن ميوله الى "التمرد" ورفضه للتوجيهات الحزبية آنذاك دفعه لكي يكون من الذين لم يكن يُرغب في بقائهم ضمن المنظمات التي كان ينادي باستقلالها عن القرارات "الفوقية". لقد قاد الطموح موسى تواتي الى استغلال الانفتاح السياسي والتعددية لتأسيس المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء سنة1991، لكن سرعان ما طرق بابها وانشأ التنسيقية، إلا المشاكل نفسها اعترضته خاصة مع بروز صراع الولاء داخل التنظيم وإقحام السياسة في عملها، الشيء الذي دفع به الى التفكير في تأسيس حزب سياسي يكون فيه "الزعيم" ويجسد الأفكار التي طالما حلم بتنفيذها وكان له ذلك في جوان 1999، في مؤتمر تأسيسي انتخب رئيسا لها وتحصل على الاعتماد خمسة أشهر بعد تولي الرئيس بوتفليقة الحكم أي في سبتمبر 1999. ولم يأت اختيار موسى تواتي لاسم الجبهة الوطنية الجزائرية اعتباطيا بل كان مدروسا الى درجة ان البعض لم يعد يفرق بينها وبين الحزب التاريخي الذي حرر البلاد من الاستعمار الفرنسي، ويتهمه خصومه بتعمد هذا الخلط حتى يكون لهذا الحزب امتدادا شعبيا ويكون سهل الوقع على الاذان، ويعطي انطباعا انه تنظيم سياسي جديد لا يختلف عن جبهة التحرير التاريخية، وهذا ما أدى بقيادات في الافلان الى توجيه اصابع الاتهام الى موسى تواتي بالحصول على اصوات كانت متجهة الى حزبهم، وحولت اليه لتشابه التسمية، والخلط الواقع في أذهان الناخبين خاصة من غير المتعلمين وهم كثر. قناص الفرص ولقد كان اول امتحان حقيقي لموسى تواتي الانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2002، وبالنسبة لحزب جديد فإن النتيجة المحققة وهي 8 مقاعد بالمجلس الوطني الشعبي، ثم 553 مقعد في الانتخابات المحلية لم تكن سيئة كما كان ينتظر الجميع بل صنف ضمن الأحزاب القادرة على لعب ورقة في الساحة، وخاصة داخل المجلس الذي تشارك فيه الجبهة الوطنية لاول مرة، لكن النقطة السوداء في تلك الانتخابات بالنسبة لتواتي هو فشله في حجز مقعد له رغم ترشحه اولا في قائمة بالعاصمة. وحاول موسى تواتي أن يظهر سنة 2004 في ثوب زعيم سياسي وقرر التقدم للانتخابات الرئاسية، لكنه اصطدم بعقبة جمع التوقيعات، ولم يتمكن من اجتياز امتحان المجلس الدستوري الذي كان يرأسه انذاك وزير الخارجية السابق محمد بجاوي، وكانت الرسالة واضحة بأن "قاطني" شارع طنجة الشعبي وسط العاصمة حيث روائح الاكل المنبعثة من كل جانب لا يحق لهم بلوغ قصر شارع المرادية الراقي، غير أن إصرار "رجل الامن العسكري السابق"، واعتماده حسب بعض المصادر على مديرية ديوان متكونة اصلا من شخص او اثنين من اساتذة جامعيين متمرسين في العلوم السياسية والاتصال يحملون نظرة ثاقبة لكيفية تسيير شؤون الاحزاب، مكنه من تكوين صفوفه الداخلية في ظرف أقل من خمس سنوات وكانت نتيجته في الانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2007 خير دليل على ذلك، فقد نال 15 مقعدا بالمجلس الوطني و18593 على المستوى المحلي، وأصبح بذلك القوة السياسية الثالثة في البلاد بعد حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وذلك بعد أن أزاح رفيقهم الثالث حركة مجتمع السلم. غير أن النقطة السوداء هو فشله شخصيا في "الظفر" بمقعد في الغرفة السفلى وهو الذي قاد قائمة العاصمة. سر هذه النتيجة غير المتوقعة تباينت حوله الآراء؛ فموسى تواتي يقول إنه أحسن تدبير شؤون بيته، وقاد تشكيلته من فوز إلى آخر، لكن متتبعين يؤكدون أن المترشح للرئاسيات اعتمد على اسلوب استقطاب الغاضبين والناقمين على احزابهم عشية كل انتخاب ليفتح لهم قائمة الترشح في صفوف الافانا، وان النجاح المحقق لا يعود الفضل فيه الى الخطاب الذي يسوقه ولكن الى وزن هؤلاء الوافدين اليه خاصة في الانتخابات المحلية الماضية، حيث جميعهم نشطاء في أحزاب مختلفة، وهذا الهجين مكنه من الدخول في المرتبة الثالثة في المحليات. ولم يكن هذا الخليط السياسي في حزب موسى تواتي إلا مصدرا للتشويش، وتبين مع مرور الوقت أن هؤلاء بإمكانهم الخروج عن عصا الطاعة في أي وقت يريدون وقاد بعضهم حركة تصحيحية أرغمت الرئيس على الخروج الى العلن ليلا ونهارا سرا وعلانية لمواجهة تلك الحملة التي أتت لتفكك الافانا، وتواصل زحف التمرد في بيته وهو الذي لا يعرف جميع نوابه في المجلس الشعبي الوطني وخرج الكثير منهم عن الطاعة، ولم يحترم سبعة منهم من اصل 15 نائبا تعليمات الامتناع عن التصويت على تعديل الدستور في 12 نوفمبر الماضي وكاد ذلك أن يحدث زلزالا في صفوف الحزب. كما يعيب عليه الكثير اعتماده على عائلته لادارة شؤون الحزب، وهو الذي اوكل لاخيه وابنه تسيير ملفات توصف بالثقيلة في هرم التشكيلة، ولا يخفي تواتي هذا التوجه الى درجة انه لا يمكن ان ينشط ندوة او يعقد تجمعا دون حضور مقربيه من عائلته. ومن هذا المنطلق يقول متتبعون إن تواتي لم يحسن اختيار كوادره ورجاله المقربين وإن الجبهة الوطنية الجزائرية أصبحت تتكون من هجين كوادر انشقت عن أحزاب سياسية أخرى وهذا ما يجعل الحزب هشا، لأن ولاءات هؤلاء ليست ثابتة ولا يمكن الاعتماد عليهم لتسيير شؤون البلاد أو حتى في ضمان الانضباط الحزبي. المفاجأة هذه المرة قد يحدثها تواتي ايضا فحسب عملية سبر اراء للجالية الوطنية بالخليج العربي، فإن رئيس الافانا حل ثانيا في عدد الاصوات بعد المترشح بوتفليقة، وبلوغ صيته الى الجالية يعني انه يتقدم بخطى ثابتة نحو بلوغ درجات عليا في هرم السلطة في البلاد وقد يفتح له الباب للمشاركة في الحكومات المقبلة، رغم ان الفكرة لم تنضج بعد في اوساط حزبه. رئيس الافانا يريد ان تكون اول رئاسيات يشارك فيها محطة نحو اعتلاء الدرجات، وهو الذي قال لما سئل هل أنت أرنب "أنا لست أرنبا بل صياد"، ومثل هذه العبارات توحي بأن طموحه لم يعد له حدود، واستطاع في ظرف زمني قصير تطوير خطاب يجلب الانصار ويدفع بأولئك الذين كانوا يشككون في قدراته الى مراجعة أفكارهم بخصوصه. فهل يتمكن تواتي الذي خسر يوما العاصمة .. أن يخرج "عصا موسى" هذا الجمعة ويصبح "فخامة الرئيس".