كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن استخدامات الانترنت في البحث العلمي وفي البحث عن المعلومة والطرق المعتمدة من قبل الطلبة الجامعيين والثانويين في الولوج الى عالم الانترنت لتحضير بحوث الأعمال الموجهة وحتى المذكرات ورسائل الماجستير، مقابل انخفاض رهيب في درجة اعتماد الطلبة على الكتب العلمية القيمة المتخصصة، وقد كشفت تقارير علمية أن الكتاب في تراجع رهيب في الجامعة، وأن نسبة ما لا يقل عن 09 بالمئة لا يقرؤون كتابا علميا متخصصا في ميدان الدراسة طيلة سنوات التكوين، وأن أغلب بحوثهم مستمدة من الانترنت أو من بحوث سابقيهم، مما أدى الى تراجع رهيب في المستوى العلمي العام. في هذا الصدد نشرت صحيفة ''ديلي تلغراف'' موضوعا في غاية الأهمية في قسم التكنولوجيا للكاتب نيكولاس كار مؤلف كتاب ''الضحالة'' عن تأثير الانترنت على طريقة تفكيرنا. يقول الكاتب انه رغم ان شبكة الاتصالات الدولية (الانترنت) موجودة منذ 02 عاما فقط إلا أنها أصبحت لا غنى عنها في حياتنا. ووفرت الانترنت الحصول على كميات هائلة من المعلومات، وجعلت الناس تتواصل بشكل شبه دائم. إلا أن للاعتماد على الانترنت اثرا جانبيا خطيرا، برأي الكاتب، إذ تشير أدلة علمية متزايدة إلى أن الانترنت بتشتيتها الانتباه ومقاطعة التفكير تحولنا إلى أناس سطحيين مشتتي التفكير. ويعدد الكاتب أبحاثا نفسية وسلوكية حديثة تكشف عن الجانب المظلم للانترنت في حياة مستخدمي الكمبيوتر لتصفح الشبكة الدولية، يشير إلى أن اهتمامه بالأمر، وهو يعد لكتابه، ليس أكاديميا فحسب وإنما فيه جانب شخصي أيضا بعدما شعر انه يفقد القدرة على التركيز والتفكير العميق، ومن هنا كان دافعه لإعداد الكتاب. ويقول الكاتب نيكولاس كار انه حتى وهو بعيد عن الكمبيوتر كان يشعر بتشتت الانتباه وكأنما ذهنه في حالة عطش للمعلومات السريعة. وأدى بحثه في الدراسات العلمية والنفسية حول الموضوع الى استنتاجات مثيرة للقلق على حد تعبيره. وتشير الدراسات إلى أن من يقرؤون نصا مليئا بالروابط يستوعبون اقل بكثير ممن يقرؤون نصا مطبوعا على الورق. ومن يشاهدون عروضا مطعمة بالصوت والصورة يتذكرون اقل بكثير ممن يتلقون المعلومات بطريقة أكثر تركيزا وأقل بهرجة. كما أن من يتشتت انتباههم دوما برسائل البريد الالكتروني والتحديثات والرسائل الالكترونية يفهمون اقل بكثير ممن يمكنهم التركيز على ما يتلقون. ومن يتعاملون مع مهام متعددة اقل إبداعا وأقل إنتاجية ممن يركزون على أمر واحد. والسبب، حسب خلاصة الدراسات العلمية، أن الانترنت تجعل مستخدمها يفتقد العامل الأساسي في التفكير، وهو الربط بين ما يتلقاه وما ترسخ في الذاكرة من معرفة. هذا التحليل يذكرنا بالدراسات العلمية التي قامت بها بعض الباحثات في الولاياتالمتحدةالأمريكية حول الذكاء عند الطفل ومشاهدة التلفزيون، حيث أكدن أن الأطفال الذين يشاهدون برامج التلفزة بنسبة كبيرة محصورة في أكثر من 3 ساعات يوميا نتائجهم الدراسية ستكون لا محالة ضعيفة خصوصا في الرياضيات واللغة والتعبير، لأن عالم الصوت والصورة في آن واحد يفقد الطفل القدرة على التذكر ويضعف الإبداع ويقلل من قدرته على استخدام الخيال، وهو ما يمكن تسميته حسب تعبير العالم الكندي الشهير مارشال ماكلوهان الوسائل الإعلامية الباردة التي يقل فيها استخدام الإنسان لحواسه التي تساعده على تنمية القدرات الذهنية، وحسب الدراسات العلمية فإنه كلما اعتمد الفرد على الصوت والصورة سواء في التلفزيون أو الانترنت يقل ذكاؤه ويقل استخدام الخيال الذي ينمي الذكاء، الأمر الذي يؤكد أن الدعوات المثيرة الى أهمية وضرورة استخدام الانترنت دعوة في غير محلها، لأن النتيجة ستكون سلبية، خصوصا أن المستوى التعليمي في تراجع سواء في الثانوية أو الجامعة رغم النتائج الإيجابية المسجلة في نسب النجاح.