في ما وصفته "الغارديان" البريطانية بأنه الدليل الموثق الاول على امتلاك اسرائيل أسلحة نووية، كشفت الصحيفة وثائق أفريقية جنوبية تفيد أن الدولة العبرية عرضت على نظام التمييز. العنصري الذي كان حاكماً في بريتوريا، بيعه رؤوساً نووية، الامر الذي من شأنه أن يحرج اسرائيل التي تعتمد سياسة "الغموض" في سياستها النووية، مع تركيز محادثات حظر انتشار الاسلحة النووية المقررة هذا الاسبوع في نيويورك، على الشرق الاوسط. وسبق للعالم النووي الاسرائيلي موردخاي فعنونو أن كشف عام 1986 ل"الصنداي تايمس" البريطانية وجود برنامج التسلح النووي الاسرائيلي، وزوّد الصحيفة صوراً التقطت داخل مفاعل "ديمونا" النووي، وأدلى بتفاصيل عن الآليات المعتمدة لانتاج جزء من المواد النووية. ومع ذلك، لم يقدم أية وثائق خطية. كذلك، كشفت ملفات ضبطها طلاب ايرانيون من السفارة الاميركية في طهران بعد الثورة عام 1979 أن الشاه أبدى لاسرائيل اهتماماً بتطوير أسلحة نووية. بيد أن الوثائق الافريقية الجنوبية توفر تأكيداً أن الدولة العبرية كانت قادرة على تزويد نظام التمييز العنصري صواريخ "أريحا" مع رؤوس نووية. وتظهر الدقائق "السرية جدا" للاجتماعات بين مسؤولين كبار من البلدين، أن وزير الدفاع الافريقي الجنوبي في حينه ب. و. بوتا طلب الرؤوس النووية، وأن نظيره الاسرائيلي في حينها شمعون بيريس رد بعرض صواريخ ذات "ثلاثة أحجام". ووقع الرجلان أيضاً اتفاقاً شاملاً يتصل بالعلاقات العسكرية بين البلدين ويشمل مادة تنص على أن "استمرار هذا الاتفاق "رهن ببقائه سراً". ووفرت هذه الوثائق التي كشفها الاكاديمي الاميركي ساشا بولاكوف - سورانسكي في اطار ابحاث أجراها لكتاب عن العلاقات الوثيقة بين البلدين، دليلاً على أن اسرائيل تمتلك أسلحة نووية على رغم سياسة "الغموض" التي تعتمدها بعدم تأكيدها أو نفيها مثل هذا الامر. وكانت السلطات الاسرائيلية حاولت منع الحكومة الافريقية الجنوبية الحالية من رفع السرية عن الوثائق بناء على طلب بولاكوف - سورانسكي، خصوصاً أن خطوة كهذه تقوض ادعاءات اسرائيل أنها – اذا كانت تمتلك أسلحة نووية – قوة "مسؤولة" ولن تسيء استخدامها، بينما لا يمكن الوثوق بدول مثل ايران. وتفيد الوثائق الافريقية الجنوبية أن الجيش في حقبة "الابارتيد" كان يريد الصواريخ رادعاً ولشن ضربات محتملة على الدول المجاورة، موضحة ان الجانبين التقيا في 31 آذار 1975. "التحالف غير المعلن" ويقول بولاكوف - سورانسكي في كتابه "التحالف غير المعلن: التحالف السري لاسرائيل مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا" والذي صدر هذا الاسبوع في الولاياتالمتحدة أن المسؤولين الاسرائيليين "عرضوا رسمياً (خلال المحادثات) بيع جنوب أفريقيا بعض صواريخ أريحا، ذات القدرة النووية". ويوضح أن بين من حضروا الاجتماع كان رئيس هيئة الاركان الافريقي الجنوبي اللفتنانت جنرال ر. ف. أرمسترونغ الذي وضع على الفور مذكرة حدد فيها فوائد حصول بلاده على صواريخ "أريحا"، ولكن اذا كانت مزودة أسلحة نووية فحسب. وسبق للمذكرة التي وصفت بأنها "سرية جدا" والمؤرخة في اليوم عينه للاجتماع مع الاسرائيليين، أن خرجت الى العلن، الا ان مضمونها لم يفهم تماماً لانه لم يكن معروفاً أنه مرتبط مباشرة بالعرض الاسرائيلي في ذلك اليوم، وأنه كان أساساً لطلب مباشر من اسرائيل. وكتب أرمسترونغ في المذكرة: "في اطار النظر في ميزات نظام الأسلحة المقترح، قُدم بعض الافتراضات، منها ان الصواريخ ستسلح برؤوس نووية مصنعة في جمهورية جنوب أفريقيا، أو يمكن الحصول عليها في مكان آخر". ولفتت الصحيفة الى أنه في حينه، كانت جنوب أفريقيا بعيدة سنوات من القدرة على صنع أسلحة نووية. وبعد تلك المذكرة بشهرين تقريباً، التقى بيريس وبوتا في الرابع من حزيران في زوريخ. وبحلول ذلك الوقت، كان مشروع "اريحا" قد أطلق عليه اسم رمزي هو "تشاليت". وفي سجلات الدقائق السرية للاجتماع أن "الوزير بوتا أبدى اهتمامه بعدد محدود من وحدات تشاليت المزودة الشحنة الصحيحة المتاحة". وأن "الوزير بيريس قال إن الشحنة الصحيحة متوافرة بثلاثة أحجام"، فعبّر بوتا عن امتنانه وقال إنه سيجري مشاوراته. ويعتقد أن "الاحجام الثلاثة" تشير الى اسلحة تقليدية وكيميائية ونووية. ولعل استخدام التعبير الملطف "الشحنة الصحيحة" يعكس حساسية اسرائيل حيال المسألة النووية. وربما لم يكن ليستخدم لو كان يشير الى اسلحة تقليدية.كذلك، كان يمكن أن يعني فقط رؤوساً نووية، مع توضيح مذكرة أرمسترونغ أن جنوب أفريقيا مهتمة بصواريخ "أريحا" وسيلة لامتلاك أسلحة نووية فحسب. الى ذلك، كانت الشحنة الوحيدة التي يحتاج الافريقيون الجنوبيون الى الحصول عليها من اسرائيل، نووية، إذ كان في وسعهم تجميع رؤوس أخرى. "حماية الغسيل الوسخ" ولم يمض بوتا في حينه بالصفقة، ويعود ذلك جزئياً الى تكاليفها. الى ذلك، كان أي اتفاق سيتطلب موافقة نهائية من رئيس الوزراء الاسرائيلي، وليس مؤكداً ان ذلك كان سيحصل بسرعة. في الواقع، تمكنت جنوب افريقيا لاحقاً من بناء قنابلها النووية الخاصة بها، ربما بمساعدة اسرائيل. لكن التعاون في التكنولوجيا العسكرية تطور في السنوات اللاحقة، وزوّدت جنوب افريقيا اسرائيل كثيراً من الاورانيوم الاصفر التي احتاجت اليه لتطوير اسلحتها. وأكدت الوثائق روايات للقائد البحري الافريقي الجنوبي السابق ديتر غيرهارد الذي سجن عام 1983 بتهمة التجسس على الاتحاد السوفياتي. فبعد اطلاقه مع انهيار نظام التمييز العنصري، قال غيرهاد إنه كان ثمة اتفاق بين اسرائيل وجنوب افريقيا سمي "تشاليت" يشمل عرضاً من الدولة العبرية لثمانية صواريخ "أريحا" مزودة "رؤوساً حربية خاصة"، لافتاً الى أن تلك كانت قنابل نووية. ولم يكن ثمة دليل موثق على كلامه. وقبل تقديم بيريس عرضه الى بوتا، وقع وزيرا الدفاع للبلدين اتفاقاً سرياً ينظم علاقات التحالف العسكري الذي عرف باسم "سيكمنت". ولم يكن سراً أنه تضمن نفياً لوجوده. كذلك، نص الاتفاق على انه لا يمكن أياً من الفريقين العودة عنه من جانب واحد. وضغطت اسرائيل على الحكومة الافريقية الجنوبية لعدم رفع السرية عن الملفات التي حصل عليها بولاكوف - سورانسكي. وقال الباحث الاميركي: "حاولت وزارة الدفاع الاسرائيلية منعي من الاطلاع على اتفاق سيكمنت على أساس أنه مادة حساسة، وتحديداً على التوقيع والتاريخ"، لكن "الافريقيين الجنوبيين لم يبالوا بالامر. لقد أخفوا بعض الاسطر وسلموني اياه. ليست حكومة جنوب افريقيا مهتمة بحماية الغسيل الوسخ للحلفاء القدامى لنظام الابارتيد