إن للفقر آثارا عظيمة السوء، خطيرة النتائج، ومن بين هذه الأخطار؛ أثره على العلم والفكر؛ فطلب العلم ونشره وتوفير مؤسساته ومتطلباته يحتاج إلى الدعم المادي، وفقدان السند المالي يؤدي إلى عدم توفر الإمكانات المعينة على طلب العلم ونشره، فيجهل الناس، ويضيع العلم، ويؤدي اضطرار الناس إلى العمل كباراً وصغاراً إلى العزوف عن طلب العلم فتتفشى الأمية؛ يظهر ذلك جليا في تأخر الأمة علمياً وثقافياً؛ لأنهم قد شُغِلوا بطلب الرزق عن كسب العلم والثقافة والفكر، وحتى إنْ طلب أبناء الأمة العلم في ظل مؤسسات لا توفر أبسط الإمكانات والظروف المناسبة فإن طلبهم للعلم وتلقيهم له يكون ضعيفاً لا يغني من جهل ولا يُبصر من عمى ويؤدي إلى تسربهم، كما أن التفكير والقدرة على الابتكار ونفع الأمة يعوقه كثيراً ما يلاقيه أصحابه من ضيق في مجال الحياة المعيشية.روي عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة: أن الجارية أخبرته يوماً في مجلسه أن الدقيق قد نفد، فقال لها: لقد أضعتِ من رأسي أربعين مسألة من مسائل الفقه. ويروى عن الإمام أبي حنيفة قوله: لا تستشر من ليس في بيته دقيق؛ لأنه مشتت الفكر مشغول البال فلا يكون حكمه سديداً.إذا قلَّ مال المرء قلَّ بهاؤه وضاقت عليه أرضه وسماؤهوأصبح لا يدري وإن كان دارياً قدامُه خيرٌ له أم وراؤهوقديماً رأى شاعر أن المُلْك يقوم على العلم والمال وأن كلاً منهما يحتاج الآخر فقال:بالعلم والمال يبني الناس مُلكهم لم يُبنَ مُلك على جهل وإقلالوقد قيل في الأمثال: أعطني خبزاً أعطك شعباً مثقفاً.وهناك آثار أخرى للفقر على الصحة والأسرة، كلها آثار سيئة، لكن أثر الفقر على الاقتصاد والسياسة أثر عظيم كذلك، مع العلم أنهما سببان رئيسان للفقر والجوع إما بسبب الفساد المالي والإداري والخطط المتبعة، فالفقر كنتيجة يؤثر أيضاً في ذلك بقلة الإنتاج وانهيار الاقتصاد وزيادة العجز وضعف الإيراد، والكساد التجاري، والركود الاقتصادي، ويسبب انعدام الثقة والحب بين الحكام والمحكومين، ويرفع تكاليف الخدمات العامة الأساسية، ويزيد في نسبة البطالة وما تؤدي إليه من أضرار اقتصادية واجتماعية، الفقر يجعل الشعور العام ممتلئ بالسخط وعدم الانتماء إلى الأمة والوطن، كما يدفع إلى هجرة العقول والأيدي العاملة رغم المخاطر المحدقة.فلنحذر من نتائج الفقر وأضراره، فإنه إذا أقدمت فإنها كالسيل العرم الذي لا يفرق بين الأزهار أو الثمار والأحجار، فلنتعاون على دفع الضر والفقر عن مجتمعنا، ولنرده عن أهلنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.