اعتبر وزير الثقافة و الشباب و الرياضة السوداني محمد يوسف عبد الله احتضان الجزائر للمهرجان الثقافي الافريقي الثاني تأصيلا لمبادئها الثابتة تجاه القضايا الأفريقية و تأكيدا لموقفها إبان المجهود التحرر الافريقي. و أكد محمد يوسف انه نظرا لأهمية الحدث فقد قدم شخصيا توجيهات لمختلف الإدارات المختصة التابعة لقطاعه لكي تكون الثقافة السودانية حاضرة بقوة في هذا المهرجان واضعا هذه المشاركة في إطار التواصل بين البلدين وفي إطار دعم المجهود الكبير الذي يبذل في الجزائر في مجال الثقافة. و قال وزير الثقافة السوداني في رده عن سؤال حول أهمية تنظيم مثل هذه التظاهرات الثقافية الكبرى في زمن يتذرع فيه البعض بالعولمة لفرض الرأي الواحد أن "التوجه في البلدان العربية و الإسلامية و الإفريقية يجب أن يكون توجها متعددا توجها نحو العالم و العالمية التي تعطى فيها للخصوصية فرصة وتحترم فيها التعددية الثقافية و العرقية و الدينية". و باعتبار أن القارة الأفريقية تزخر بالتعدد الثقافي و العرقي و الديني فان التوجه الافريقي -- كما أضاف -- هو توجه يحترم فيه التعدد و التنوع في كافة أشكاله. و اعتبر أن الجزائر من الدول المميزة في مجال احترام هذا التنوع مستشهدا بوقوفها "كدولة و كشعب مع شعوب القارة الأفريقية إبان مجهود التحرر" من ربقة الاستعمار "دون أن تنظر في ذلك لا للون و لا للدين ولا للعرق" لذلك -- كما أضاف -- فان احتضان الجزائر لهذا المهرجان "هو تأصيل و تأكيد لموقف موجود و راسخ في الجزائر". و الآن -- كما شدد محمد يوسف -- "نحن أكثر حاجة في الدول العربية و الإفريقية لمثل هذا الموقف باعتبار أن التوجه العالمي لفرض رأي واحد و ثقافة واحدة و سياسة واحدة لا يعين الناس على العيش الكريم و لا يعين على استتباب السلام و الاستقرار بل يفتح بابا عريضا للصراعات و هذا غير مقبول و غير محمود. لذلك فان هذه التظاهرة تأتي في وقتها و في زمنها تماما". و يقول الوزير السوداني في معرض حديثة عن التنوع و الثراء الذين تزخر بهما الثقافة السودانية أن استقرار الإنسان في ارض السودان منذ أمد بعيد (نحو مليون سنة) مكنه من التعرف على كثير من الثقافات و أن ينهل من كل ينابيعها لذلك اتسمت ثقافته بالتنوع و التسامح. فالحضارات التي قامت على ضفاف النيل -- يؤكد محمد يوسف -- كانت بدايتها قائمة على اللادينية ثم دخلت فيما بعد المسيحية فعاشت جنبا الى جنب مع اللادينية و دخلت من بعد ذلك الديانة الإسلامية و تعايشت مع اللادينية و المسيحية" موضحا أن "هذا التدرج و هذا التحول جعل لدى أهل السودان قناعة بان احترام التعدد و احترام التنوع الثقافي و الديني و العرقي يعين هذه المشارب المختلفة على التآلف و التآزر".و في هذا السياق أشار الوزير الى وجود أطراف الخارجية تحاول استغلال هذا التنوع لأغراض السياسة وزرع الشقاق بين أبناء البلد الواحد مؤكدا أن "مصير هذه المحاولات هو الفشل حتما" لان التعدد و التنوع في السودان هو "مصدر ثراء و مصدر استقرار و ليس العكس". و شدد السيد محمد يوسف في هذا المجال على أن "إدارة هذا التنوع عبر الثقافة يعد وسيلة جادة و حيوية لبلوغ غايات الاستقرار وغايات الوحدة في السودان" لذلك -- كما أضاف -- شكل هذا المسعى احد المحاور الإستراتجية القومية للثقافة السودانية. و فيما يخص إسهامات السودان في الثقافة العالمية يرى المسؤول الأول عن قطاع الثقافة في السودان انه رغم "أن الثقافة السودانية لم تنطلق الانطلاقة المرجوة في هذا الجانب إلا أن هناك شخصيات سودانية برزت و أصبح إنتاجها الفكري جزء من الإنتاج العالمي" و ذكر في هذا الإطار الكاتب الراحل الطيب صالح الذي ترجمت روائعه الروائية الى أكثر من ثلاثين لغة و الفنان التشكيلي الراحل احمد عبد العال الذي برزت أعماله و أصبحت نماذج تدرس في العديد من كليات الفنون الجميلة في العالم. كما برزت عدة أسماء في جنوب السودان في الأدب الانجليزي خاصة عكست أعمالهم واقع الحياة في تلك المنطقة. و فيما يتعلق بدور الدولة وإسهامها في مختلف جوانب الحياة الثقافية يقول السيد محمد يوسف أن الدولة "لا تنتج الثقافة بل تنظم قنوات العطاء الثقافي" بتقديمها الدعم للثقافة و المثقفين بصفة عامة. و ذكر في هذا المجال قرار الحكومة بتخفيض تكلفة طبع الكتاب بنسبة 50 بالمئة بحيث تكون الطباعة داخل السودان ممكنة "مما يتيح للانتاج الفكري و الادبي فرصة التنافس في الأسواق العالمية". و في هذا الصدد أشار الى الجهود التي تبذلها الدولة قصد تسهيل تنظيم العمل الثقافي في إطار أندية و جمعيات بالإضافة الى المساعدات التي تقدم للمثقفين والمفكرين و الأدباء و الجمعيات الثقافية وفرق الفنون الشعبية حتى تمكنها من المشاركة في المهرجانات و التظاهرات الثقافية التي تقام خارج السودان. و في الأخير اعتبر الوزير السوداني أن المهرجان الثقافي الافريقي الثاني "فرصة لأهل إفريقيا ليتعرفوا أكثر على بعضهم البعض عن قرب و سانحة لبناء الثقة بين الأفارقة و مناسبة للتطلع نحو بناء إفريقيا بالقدرات الذاتية و الداخلية وفرصة حقيقية للتواصل و الدعم و المؤازرة في عالم متجدد و متغير لا يعيش فيه إلا الأقوياء". سعاد طاهر /م