التفكير الضيق المنطوي تحت لواء القبلية والعشائرية المنتشرة بمختلف قرى ومدن الطارف رغم تمدنها، كان ثمنه انقسام أسر بكاملها، وشباب يعيشون التعاسة في حياتهم، كون أولياء أمورهم فرضوا عليهم الزواج بمن اختاروهم لهم، ولم يسمحوا لهم بالارتباط بمن يريدون• قد يستغرب البعض ويتساءل ''هل ما زال هذا التفكير سائدا في المجتمع الطارفي ونحن في 2009؟''، وقد لا يعرفون أن هناك عائلات رفضت قطعا اختيار الابن أو البنت، فدفعت بالبعض منهم إلى الانحراف، أوالخيانة الزوجية، وإلى الانشقاق وعدم التفاهم بسبب الزوج أو الزوجة• يقول (علي•ه) 35 سنة إنه تعرف على فتاة منذ مدة، ووجد فيها معايير الزوجة التي كان يبحث عنها كونها متفهمة وتجمع العديد من الخصال التي يتمناها أي رجل في المرأة، لكن ورغم الحب الذي جمعهما فإن المشكل الذي يحال دون الارتباط بها أنها تنحدر من ولاية سكيكدة• هذا الأمر رفضته عائلته وأدخله في متاهة إرضاء عائلته وعدم الاستغناء عن فتاته، في حين فسر تصرف عائلته بالقول أن العادات والتقاليد مع عائلة حبيبته ليست نفسها، وهو ما جعل عائلته ترفض فكرة الزواج• ومن هؤلاء السيد (سعيد• ل) 45 سنة الذي واجه عدة صعوبات عندما كان مقبلا على الزواج منذ 13 سنة، حيث يقول إن والده كان رافضا لزواجه من امرأة تنحدر من منطقة أخرى، إلى حد أنه لم يحضر حتى عرسه، لكنه ومع مرور الوقت تقبل الأمر ''وأنا أعيش مع زوجتي وأبنائي اليوم حياة هادئة'' • وتؤكد الأستاذة منصوري أستاذة علم الاجتماع أن المسلمين عندما قدموا إلى الجزائر لم تكن هناك مشاكل طائفية، فالبربر تقبلوا العرب بكل ما لديهم لكن الاستعمار الفرنسي قلب هذا المفهوم، وبالتالي استحدث هذه الطائفية والعشائرية للتفرقة ما بين الجزائريين التي من المفترض أن الزمن تجاوزها، كون أن هناك أمورا أخرى أكثر أهمية• ويبقى الحب بين الرجل والمرأة هو الجامع بينهما وهو الذي يتحدى كل الصعاب، الأمر الذي يعد من المحرمات عند بعض العائلات الجزائرية، لكنه يبقى من الطابوهات، إذ أن العديد من هذه العائلات لا يحق لابنها أو ابنتها أن يصرحا لأوليائهما بأنهما على ارتباط بشخص ما، كما أن الإعجاب أيضا يعد من الممنوعات في بعض العائلات، ولا يحق للأبناء الخوض فيه علنا• ورغم أن الزواج في الجزائر يكون في الثلاثينيات من العمر في الوقت الحالي، إلا أن الكبت وعدم الصراحة يتسبب عادة في حدوث أمور أخرى، قد تدفع بالشاب والشابة إلى التفكير في ارتكاب الأمور المحرمة، وبعد ذلك يكون الندم عند الجميع• وتستطرد الأستاذة•• أهم شيء في الحياة الزوجية هو الحب الذي يجمع الزوجين، فعندما تجد من تفضل الارتباط بك وتحبك فهذا هو المهم، وهذا ما يجب أن تفهمه العائلات، لأن التفاهم هو الأساس• ويرى الأستاذ وعلي، مختص في علم الاجتماع، أن هذه الأفكار موجودة في إطار ضيق وفي مناطق جغرافية محددة، لكن هذا لا ينفي وجود عائلات لازالت تفكر بهذا الأسلوب حتى في مدن كبرى• وخشية من كلام العائلة أو زوال الأسرة العريقة، فإن هذه العائلات ترفض تماما الزواج المختلط مهما كان الأمر• فالوالدان يخافان من المحيط الأسري ومن العائلة الكبيرة، فهما يفكران دائما فيما سيقوله الأعمام والأخوال والإخوة، إضافة إلى أن هناك عائلات لديها دور في الحياة السياسية والاقتصادية في المجتمع، وهي عائلات مشهورة تنظر إلى الغير نظرة دنيوية، لهذا فهي ترفض مصاهرة من لا تختارهم هي• ويضيف المتحدث أن هذا التفكير يكرس الانقسام في المجتمع كون أن هناك انفتاحا على الآخر ولا يجب البقاء منطوين على أنفسنا•