سنوات قليلة كانت كافية لتعود بعدة بلديات ساحلية بالجهة الشرقية لولاية بومرداس و التي تعد من أجمل المناطق السياحية إلى نقطة الصفر، بعد أن فرضت عليها العزلة والتهميش من قبل أطراف عديدة. وتعود معاناة سكان هذه المناطق لسنوات عديدة مضت، بدأت أسوؤها مع مطلع التسعينيات حيث اتخذت الجماعات الإرهابية جبالها الوعرة وكورا لها، ومن ممتلكات سكانها غنائم لحرب لم يكونوا طرفا فيها، وبعدما أغلقت الكثير من المؤسسات الاقتصادية أبوابها، مما أحال الآلاف من العمال على البطالة، وعزف العديد من المستثمرين عن النشاط بها، لتحجم السلطات بدورها وعلى اختلاف مستوياتها عن إدراج مشاريع إنمائية من شأنها أن ترقى بهذه البلديات إلى مستوى ما تكتنزه من إمكانيات، وبحجة تدهور الوضع الأمني. كريم-ح على الشريط الساحلي الشرقي لولاية بومرداس نجد بلدية رأس جنات ذات الطابع السياحي، والتي اشتهرت بجبالها الشاهقة التي تعانق زرقة البحر المتوسط، وبخليجها الصغير ومياهه الهادئة أغلبية أيام السنة، والذي كان ولعدة سنوات ملجأ للأثرياء وكبار المسؤولين والسياح الأجانب الذين اتخذوا من هذه المدينة الصغيرة مكانا لإقامتهم الصيفية. أما اليوم فباتت في خبر كان، بعد تدهور الوضع الأمني ومرت بها سنوات عجاف، رفعت فيها السلطات الولائية يدها عن المنطقة بصفة شبه كلية، بعدما حرمتها من المشاريع الإنمائية التي أسهمت في تردي الأوضاع الاجتماعية للسكان الذين تبدو عليهم وبصورة جلية مظاهر الفقر والعوز، فحتى الفلاحة والصيد كنشاطين أساسيين لدى سكان المنطقة باتا غير كافيين لتلبية الاحتياجات. أما محطة توليد الكهرباء والمحجرة، فلم ينل منها السكان سوى الغبار والتلوث الذي أصابهم بأمراض الصدر والربو التي تحالفت مع الرطوبة الشديدة لتنهك قواهم. كما أن مشروع الميناء الذي كلف أغلفة مالية ضخمة وتوشك أشغاله على الانتهاء فقد بات مصدرا لانتقادات الصيادين الذين أكدوا أن به خطأ تقنيا فادحا يؤثر على نشاطهم، مؤكدين أن رمال البحر التي تجلبها التيارات البحرية تغمر مدخل السفن مما يشكل خطرا في دخولها أو خروجها منه، ورغم اللمسة الجمالية التي أضفاها الميناء الجديد وعملية تهيئة الأرصفة المؤدية إلى المدينة إلا أن حالة الطرق المزرية وانعدام التهيئة بأغلبية الشوارع، والبنايات غير المتناسقة للمحلات والمساكن الخاصة المتراصة جنبا إلى جنب على طول الطريق، أفقدها صفة المدن الساحلية، وحتى المطاعم المعدودة المتخصصة في السمك والمتراصة بالقرب من الميناء لم تستطع أن ترقى بالسياحة في المنطقة لاعتمادها على الطرق التقليدية وافتقارها إلى الوسائل والطابع الجمالي. ولعل المشكل الكبير الذي تتخبط فيه البلدية هو الانتشار الفادح للبطالة مما جعل شبابها لا يفكر سوى في الهجرة أو الحرقة كما تشكو البلدية من النقص الكبير لمشاريع السكن الاجتماعي، حتى ظلت المجالس الشعبية المتعاقبة على تسيير عاجزة عن تلبية الطلبات المتزايدة في هذا الخصوص، أما برنامج السكن الريفي الذي انتهجته الدولة في السنوات الأخيرة فقد واجهته العديد من المشاكل في هذه البلدية بسبب افتقار السكان إلى عقود ملكية ما يعتبر شرطا أساسيا للاستفادة من إعانة الدولة. وإلى الشرق من بلدية رأس جنات وعلى بعد بضع كيلومترات فقط، تتراءى مدينة دلس العريقة بتراثها التاريخي والحضاري وكذا السياحي، والتي أصبحت اليوم من أفقر البلديات بالولاية، بعدما أغلقت مؤسساتها الاقتصادية أبوابها مسرحة آلاف العمال، كما هو الشأن بالنسبة لمصنع الجلود والأحذية الذي كان يصدر منتوجاته إلى إسبانيا وإيطاليا وأمريكا قبل أن يحرق بداية السبعينيات من قبل الإرهاب، ليظل مهملا رغم عودة الأمن. والحال نفسه بالنسبة لمصنع البلاستيك ومؤسسة تصبير السمك التي أغلقت أبوابها لصعوبات مالية قبل عدة سنوات، في حين كان بالإمكان بيعها لعمالها الذين تعرضوا للتسريح. وفي ظل حرمان البلدية من المؤسسات الاقتصادية، فقد سجلت أعلى نسب البطالة، وهو ما دفع بالكثير من الشباب إلى امتهان نهب الرمال، لتوفير قوت يومهم من جهة وتوفر بعض الأموال للهجرة السرية، التي باتت حلما يتطلع إليه أغلبية شباب المنطقة لاسيما أن دلس أصبحت تستقطب الراغبين في الحرقة باتجاه مايوركا الإسبانية والتي تفصلها عن دلس 48 ساعة على متن قارب عادي بتكلفة تتراوح ما بين 05 و15 مليون سنتيم، ويغتنم الحراقة وقت دخول الصيادين البحر للخروج في هذه الرحلة التي يذاع أنها ناجحة بنسب كبيرة. ولم تستطع بلدية دلس رغم الإمكانيات التي تتوفر عليها، من استقطاب المستثمرين بعدما حرمت من المشاريع الاقتصادية طيلة السنوات الماضية، ويضاف إلى ذلك حرمانها من المشاريع السكنية التي تظل شبه منعدمة إذا ما قورنت بعدد الملفات المودعة والتي تعد بالآلاف. كما تعكس وضعية الطرق المهترئة وانعدام تهيئة الشوارع والمحلات التي يعود تاريخ أغلبيتها إلى الحقبة الاستعمارية حجم الإقصاء الذي نالته هذه البلدية ولامبالاة المسؤولين بإمكانياتها.