دعوة أوباما للحوار مع العالم الإسلامي لن تكون على حساب إسرائيل أكد المحلل السياسي الدكتور والأستاذ المحاضر بجامعة أبو ظبي خير الدين العايب، أن دعوة أوباما إلى الحوار مع العالم الإسلامي، لن تكون على حساب مصالح الولاياتالمتحدة بإسرائيل، لأن هذه المصالح استراتيجية و تاريخية لا يمكن قط المساس بها، موضحا أن إسرائيل لن توقف بناء المستوطنات لأنها على قناعة أن أمريكا في صفها و أوباما لايمكنه الضغط عليها أوتهديدها لأنه يعي جيدا أن هناك خطوطا حمراء لا يمكنه تجاوزها، مشيرا إلى رغبة إيران في اكتساب السلاح النووي، من أجل إدارة منطقة الخليج وفقا لتوجهاتها الدينية و التاريخية، مؤكدا أن العالم الإسلامي على قناعة أن خطاب أوباما لا يمكنه أن يقربه من الولاياتالمتحدة، لأن الإدارة الأمريكية تمثلها مؤسسات متداخلة، جلها يخضع للوبي الصهيوني. الأمة العربية: لماذا وقع اختيار صناع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية على مصر و تحديدا جامعة القاهرة ليوجه أوباما خطابه للعالم الإسلامي ؟ د . خير الدين العايب : الحقيقة إن اختيار الإدارة الأمريكية مصر كمحطة رئيسية لتوجيه رسالة للعالم الإسلامي له دلالات سياسية ترتبط أساسا بمصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة العربية. فمصر دولة لها ثقل سياسي وتاريخي في المنطقة العربية وشريك استراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية وتمتلك رصيدا سياسيا يؤهلها لأن تظل محور لعبة التوازنات الدولية في منطقة الشرق الأوسط. فمنذ توقيعها على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 وتغييرها لطبيعة سياستها تجاه إسرائيل والولاياتالمتحدة من دولة معادية للسياسات الأمريكية في المنطقة وتحولها إلى دولة مسالمة ومعتدلة في المنظور الأمريكي، تقبل بجميع الطروحات والسياسات الأمريكية أصبحت مصر دولة راعية للمصالح الأمريكية في المنطقة إلى جنب إسرائيل، يكفي أنها استطاعت أن تقنع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل والتوقيع على اتفاقات السلام، بل أكثر من ذلك كله، ظلت على الحياد عندما هاجمت اسرائيل قطاع غزة ورفضت الدعوات بفتح معبر غزة وتقديم يد العون للمقاومة الفلسطينية. ومع أن العديد من المحللين شككوا في أهلية مصر في قيادة العالم العربي، إلا أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تقول بأن مصر سوف تظل محور السياسة العربية المعتدلة ولا يمكن تغيير ميزان القوى العربية، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على توازنات المنطقة ويضر بمصالح إسرائيل والولاياتالمتحدة على حد سواء، بل حتى المملكة العربية السعودية ترفض أن ينتقل مركز الثقل العربي من القاهرة إلى الرياض لان هذه الأخيرة-أي المملكة العربية السعودية- منشغلة أساسا بتحديات أمنية تتجاوز في حدتها النزاع العربي الإسرائيلي وتمثل ابرز هذه التحديات في الملف النووي الإيراني الذي يلقي بثقله على منطقة الخليج العربية. بدليل أن المملكة العربية السعودية كانت من أوائل الدول العربية التي طالبت مصر بأن ترعى المفاوضات بين حماس وحركة فتح بل رفضت دعوات بعض الأصوات العربية التي طالبت بضرورة تغيير مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى أحد العواصم العربية. أما اختيار جامعة القاهرة لإلقاء الخطاب فله برأينا دلالات تاريخية مفادها أن مصر هي محور الثقافة العربية التي أنجبت مفكرين وعلماء وأدباء نالوا شهادات التقدير والجوائز العالمية. الأمة العربية: خطاب أوباما للعالم الإسلامي جاء بنبرة ناعمة، لاسيما بعد استشهاده بآيات قرآنية، مختلفة تماما عن لغة التهديد والوعيد ضد المسلمين التي كانت تستعمل في عهد بوش، هل هذا معناه تغيير حقيقي للسياسة الأمريكية اتجاه المسلمين ؟ د . خير الدين العايب : السياسة الأمريكية الدولية تحكمها مبادئ ومصالح وتوجهات وهي سياسة واقعية مبنية على ثلاثة أسس هي الأمن ، القوة والمصلحة، والمبادئ الثلاثة لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تحيد عنها.. لكن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أضر كثيرا بمصالح الولاياتالمتحدة وتوجهاتها الدولية وتحديدا تجاه العالم الإسلامي، أهمها إعلانه الحرب على العراق وإذكائه لروح الكراهية تجاه المسلمين بقوله أن من ليس مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فهو ضدها..ومثل هذه الطروحات العنصرية وسعت الهوة بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي وأعادت التذكير بالحروب الصليبية كما بدأ الحديث عن صدام الحضارات.. فكان من الطبيعي أن يسارع الرئيس الأمريكي الذي يفهم طبيعة الدين الإسلامي إلى إخماد نار الفتنة الدينية التي قسمت العالم وزادت في كراهية المسلمين للولايات المتحدةالأمريكية، ولذلك جاء خطابه بسيطا ومباشرا موجها لجميع شرائح العالم الإسلامي يفهمه الإنسان المثقف وغير المثقف وتخللته آيات قرآنية لدغدغة العواطف وكسب ود الشارع الإسلامي. الأمة العربية: في رأيك هل سيتفاعل المسلمون مع خطاب أوباما الأخير بالقاهرة ، خاصة وأن هذا الخطاب كان دينيا ؟ د . خير الدين العايب: العالم الإسلامي على قناعة أن الأقوال لا يمكن لها أن تقربه من الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن الإدارة الأمريكية لا يمثلها شخص الرئيس فقط بل تمثلها مؤسسات متداخلة معظمها تخضع لإرادة جماعات الضغط الصهيونية. يكفي، مثلا أن 55% من أعضاء الكونغرس الأمريكي من المؤيدين للسياسة الإسرائيلية والصهيونية وهؤلاء بإمكانهم الضغط على الرئيس الأمريكي وتغيير سياساته وأفكاره..ولذلك فإن الشارع الإسلامي يطالب الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات فورية كالضغط على إسرائيل لإعادة الحقوق الفلسطينية واللبنانية والسورية والخروج من العراق ووقف الاعتداءات على المسلمين في العالم..وقد وعد الرئيس الأمريكي بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي وإن كنت غير متفائل بحكم أن صناعة القرار في الإدارة الأمريكية يخضع لإرادة المؤسسات والشخصيات ذات الوزن السياسي الذين غالبيتهم لا يتأخرون في الدفاع عن المصالح الإسرائيلية. الأمة العربية: أوباما في خطابه ركز على العلاقة القوية بين بلاده و إسرائيل، موضحا أن هذه العلاقة لن تنكسر رغم الخلافات بينه و بين نتانياهو خاصة فيما يخص حل الدولتين، كيف تفسرون ذلك ؟ د . خير الدين العايب: خطاب الرئيس الأمريكي كان واضحا عندما أشار بالقول أن الدعوة إلى الحوار بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي لا تكون على حساب مصالح الولاياتالمتحدة بإسرائيل..فهذه المصالح إستراتيجية وتاريخية لا يمكن قط المساس بها. فإسرائيل تؤدي وظيفة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، وهي رعاية المصالح الأمريكية ولذلك فهي تتلقى المساعدات العسكرية الأمريكية باستمرار والدعم اللامحدود في المفاوضات مع الفلسطينيين بل إنها-أي إسرائيل- تقول أنها لن توقف بناء المستوطنات لأنها على قناعة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقف إلى صفها ولا يمكن للرئيس الأمريكي أن يضغط عليها أو يهددها بل يمكنني أن أقول أن هناك خطوطا حمراء لا يمكن للرئيس أوباما أن يتجاوزها وإلا فإنه سوف يضع مستقبله السياسي في المحك. والرئيس الأمريكي يعرف ذلك جيدا بدليل إنه بعد إلقائه لخطابه سارع إلى زيارة ألمانيا للترحم على اليهود الذين قتلوا إبان الحرب العالمية الثانية. الأمة العربية : أشار أوباما في خطابه بالقاهرة إلى الملف الإيراني، مقرا بأحقية إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، وفقا للقواعد الدولية، هل ستقبل إيران الخضوع إلى هذه القواعد التي ستحضر عليها امتلاك أسلحة نووية مستقبلا ؟ د . خير الدين العايب: ما يهم إيران هو أن يكون لها دور فاعل في منطقة الخليج العربي خصوصا بعد سقوط نظام صدام حسين الذي استطاع احتواءها.وتعرف إيران أنها لن تتمكن من إدارة النظام الإقليمي في منطقة الخليج العربية إلا بامتلاكها للسلاح النووي الذي يعد سلاحا سياسيا رادعا يؤهلها لإدارة شؤون المنطقة. لذلك اعتقد أن رغبة إيران في الوصول إلى السلاح النووي ليس الهدف منه الإضرار بالمصالح الأمريكية أو ضرب إسرائيل لأن ذلك في المنطق الاستراتيجي غير ممكن، فالولاياتالمتحدة قوة دولية محورية وإسرائيل دولة نووية تلقى دعما أمريكيا، بل الهدف منه إدارة منطقة الخليج وفق التوجهات الإيرانية الدينية والتاريخية. فإيران تتطلع لإحياء المجد الفارسي والشيعي منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ولن تتوقف عن مشاريعها الرامية لإنتاج السلاح النووي إلى حين توافق لها الولاياتالمتحدة على المهمة التي تتطلع إليها.. وهذا ما تتخوف منه منطقة الخليج بل المنطقة العربية برمتها. واعتقد أن خطر إيران على المصالح العربية لا يقل عن خطر إسرائيل بدليل أن إيران هي مصدر التوتر الراهن في العراق ولبنان. الأمة العربية: أعلن أوباما في خطابه بالقاهرة عن غلق غوانتنامو وهو القرار الذي أعلنه سابقا بعد توليه الحكم، إلا أنه تراجع مؤخرا عن غلقه، ليعلن مرة أخرى في خطابه مجددا غلقه، كيف تفسرون ذلك ؟ د . خير الدين العايب: الرئيس الأمريكي لا يزال واقعا تحت ضغط جماعات الضغط الأمريكية التي وضعت الطروحات الفكرية والسياسية المتطرفة للإدارة الأمريكية السابقة، فالهاجس الأمني والخوف من احتمال توجيه "القاعدة" لضربات أخرى للمصالح الأمريكية، اخلط أوراق الإدارة الأمريكية وجعلها متخبطة في اتخاذ القرار المناسب بشأن سجن غوانتنامو ولذلك تريد الإدارة الأمريكية إشراك حلفائها في إدارة هذا الملف الأمني كالمملكة العربية السعودية وفرنسا التي أعلنت قبولها استضافة بعض السجناء . الأمة العربية : الملاحظ في خطاب الرئيس الأمريكي، أنه لم ترد ألفاظ كتلك التي كانت في عهد بوش مثل الإرهاب والتطرف، كيف تعلقون على هذا الأمر؟ د . خير الدين العايب: الإدارة الأمريكيةالجديدة على قناعة أن الولاياتالمتحدة فقدت هيبتها الدولية ومصداقيتها عندما أدارت ظهرها للعالم وراحت تصنف الدول بين العدائية والصديقة مع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وتفردها بالإدارة الدولية كان عليها التزامات دولية وهي بناء نظام دولي جديد تحكمه العدالة والمساواة بين الدول لكن ما حدث أنها قسمت العالم وجعلته بؤرة توتر بل أكثر من ذلك كله أذكت صراعا دينيا وحضاريا هو أخطر بكثير من الصراع العسكري..وهاهي اليوم تحاول جاهدة ترميم الوضع الاقتصادي الراهن الذي تؤثر بفعل قراراتها وسياساتها الخاطئة وتعمل جاهدة أيضا على تلميع صورتها الدولية وكل ذلك من أجل مصالحها ومن أجل التخوف من أنها تفقد هيبتها الدولية يوما ما.