في كل صباح عشرات الأولياء يتجهون إلى الابتدائيات والأقسام التحضيرية مصطحبين أبناءهم إليها حيث يتوافدون عليها وبأعداد معتبرة قبيل موعد افتتاح الأبواب للخروج أو الدخول دافعهم في هذه المعاناة اليومية خوفهم على أبنائهم وحذرهم من المخاطر التي قد يفاجئهم بها الشارع . في كثير من الأحيان يضطر الأولياء إلى خوض هذه الجولة الإلزامية كل صباح ومساء ولأربعة مرات في اليوم على الأقل في نظر هؤلاء الأولياء ممن تقربت "الأمة العربية" منهم اصطحاب الأبناء إلى أبواب المدارس أو الأقسام التحضيرية يعد من الأمور الضرورية والتي من غير الممكن في نظرهم الاستغناء عنها حتى وإن كانت المدرسة أو مكان القسم التحضيري أو حتى المدرسة القرآنية على مرمى حجر من المسكن فما يخبؤه الشارع من أخطار لا يمكن التنبؤ به في وقتنا الراهن، السيد "مصطفى" والذي التقينا بها أمام باب المدرسة يرقب دخول إبنه إلى المدرسة صباحا أكد لنا من جهته أنه يدأب على هذا الفعل كل صباح قبل توجهه إلى العمل مع أن المدرسة غير بعيدة عن البيت ولما سألناه عن السبب وقال لنا أنه "بالرغم من قرب المدرسة من البيت إلى أن حركة المرور جد نشطة" وهذا ما يجعله جد قلق على إبنه، وضاف كبار السن ولم يسلموا من تهور سائقي السيارات فما بالك بالأطفال. الخوف من الصحبة السيئة هو الدافع السيدة "دلال" هي الأخرى كانت تصحب إبنها برفقة إبنة الجيران حيث لم تخف علينا بانا كانت تتوجه معها دائما مع جارتها إلى المدرسة صباحا بقصد إيصال إبنيهما إليها ولما لم تتمكن من الحضور اليوم لانشغالها قمت أنا باصطحاب ابنتها معي، وأضافت لنا أن التصرف هذا باصطحاب إبنتها إلى المدرسة قد دخل في برنامجها اليومي وأصبح ضرورة ملزمة وأكدت بأن هذا الفعل لديه ما يبرره فخوفي على إبنتي من الصحبة السيئة التي انتشرت في أيامنا هذه بكثرة نتيجة إهمال الآباء وعدم مراقبتهم لأبنائهم أو حذري من التعرض إلى حوادث السير وخوفي من تأخر الطفل في الطريق بسبب اللهو واللعب أو أن تقع ضحية لبعض المنحرفين هو من دفعني لهذا السلوك الذي أضحى روتينيا في حياتي . وقد يكون هذا التصرف غير مرهق بشكل كبير بالنسبة للأسرة التي لديها إبن واحد لكن لو تعدى ذلك لإثنين وثلاثة أبناء ويتمدرسون في مدارس مختلفة فإن تحقيق سلوك اصطحابهم يوميا إلى المدرسة سيكون مرهقا أكثر بالنسبة للأولياء هذا ما قالته لنا السيدة "سمية "والتي كانت تنتظر خروج إبنتها من مدرسة للأقسام التحضيرية بباش جراح حيث قالت لنا بنها ستتوجه بعد خروج ابنتها من هذا مباشرة للابتدائية المجاورة وهذا لاصطحاب إبنتها الثانية إلى المنزل وقالت إن الأمر مرهق ولولا مساعدة زوجي لي باصطحابهما صباحا إلى المدرسة قبل توجهه إلى العمل وفي المساء عند انتهاء الدوام من المدرسة بينما أتكفل أنا بإحضارهما وإرجاعهما إلى المدرستين فترة الإفطار. حذر غير مبرر.. أحد الأولياء ممن اطلعنا على رأيه حول الظاهرة كشف صرح لنا بأن الأولياء في بعض الحالات يبالغون في الحذر على أبنائهم فيصطحبونهم ويعيدوهم إلى البيت في كل وقت قد يكون خوفهمم وحذرهم مبررا في حال ما إذا كانت المسافة بين المدرسة والبيت بعيدة والأخطار واردة، ولكن إن كانت لا تتجاوز البضعة أمتار فإن الأمر لا يعود مبررا وقد يؤكد لنا هذا فشل بعض الأطفال من الذين يعنون بمراقبة أوليائهم في الدراسة فكان الأولى من هؤلاء الآباء والأمهات مراقبة هؤلاء الأبناء حتى تحصيلهم الدراسي واستغلال الفرصة للحديث مع المعلمين والمسؤولين في المدرسة حول انشغالاتهم وحسن تعلم وسلوك إبنهم ولكن ما نلاحظه أن الأمر أصبح شبه روتيني وعادة بالنسبة للبعض.. ..فلنعلم أبناءنا حب طلب العلم إن انتشار هذه الظاهرة بشكل ملفت مقارنة بالسنوات الماضية أخذ يفقدها شيئا من محتواها فالمقصود عند مراقبة الظاهرة هي حماية الأبناء بشكل طبعي ومراقبتهم وحمايتهم مما قد يتربص بهم من مظاهرة سلبية أضحت تغذي شوارعنا أو أخطار مفاجئة قد لا تكون في الحسبان، كما أنها دليل على عناية الأولياء بأبنائهم ومراقبتهم ومتابعتهم ولكن ما تأكدنا منه هو أن العديد من الأولياء والأمهات على وجه التحديد صرن يجدن في الظاهرة فرصة للتجول والدردشة مع الجيران بعيدا عن توجيه الطفل والعناية به ومتابعة دروسه ومدى تحصيله العلمي، فإيصال الولي للتلميذ يبعث في نفسه جرعات من التمسك بالتحصيل العلمي وقد يتغذى هذا لو اصطحب الولي إبنه إلى مجالس علم أخرى في المساجد وحتى بعض المحاضرات ومجالس الثقافة والأدب التي من الممكن أن تخصص فضاءات للطفل حيث ينمو في ذهن الطفل أو التلميذ بشكل فعلي وعملي مدى أهمية العلم والتحصيل العلمي الذي دأب أولياؤه على العناية به طيلة صباه. كما يجب الخروج من كون ربط هذه الظاهرة بالموضة أو السلوك الروتيني حيث من المفروض أن تكون صحبة الأطفال والمشي معهم في الشارع فرصة لؤعطائهم آدابا وأخلاقا هم بحاجة إليها في الشارع وكيفية التعامل مع الأحداث الطارئة التي من الممكن أن يصادفها الأبناء. وإن كانت هذه الظاهرة بارزة في المدن الكبرى على وجه الخصوص إلا أننا نلمس غيابا كبيرا فيها في القرى والمداشر والمدن الداخلية حيث تكثر الأخطار ونتيجة طول المسافة بين المدرسة والبيت ما يدفع الأبناء إلى المشي والسير جماعات جماعات خاصة الإناث فكثير من الأولياء ليس لديهم فرصة لنقل أبنائهم وإن كان لهم ذلك فليس بشكل يومي ومستمر..