خطر الثعابين ومشقة الحفر تنهك حفاري القبور «أفاع وعقارب تطارد حفاري القبور.. ضربات شمس حارقة تقتل عشرات الفلاحين.. جحيم الأفران يدخل عشرات الخبازين مصالح الاستعجالات..»، هي «الخبزة المحانة» التي تدفع هؤلاء إلى التضحية بحياتهم من أجل تحصيل لقمة العيش، فما بالك إن كانت هذه المهن الشاقة تحت رحمة الحرارة الشديدة، فتحمل العطش والجوع ليس بالأمر الهين في شهر رمضان. "النهار" رافقت أصحاب تلك المهن وقاسمتهم معاناتهم، وقفت على الظروف القاسية لأكثر المهن الشاقة وأصعبها لأشخاص يقاومون النار في النار، وآخرون يعيشون من موت الآخرين، وفئة تلقى حتفها تحت رحمة الحرارة القصوى. حفارو القبور: ماكفاش البالة والفاس زيدلها الڤايلة تصرع الراس حمل الفأس والحفر لمدة 3 ساعات تحت درجات الحرارة مرتفعة في عز الصيام أمر في غاية الخطورة على حفاري القبور، فهم يواجهون مخاطر كثيرة، نظرا لظروف الحفر التي تبدوا شبه مستحيلة فالأرضية الصلبة تصعب عليهم المهمة هو ما وقفنا عليه بمقبرة عين بنيان غرب العاصمة. الساعة كانت تشير إلى الواحدة زوالا، الشمس كانت حارقة، التقينا بعامل حفار القبور «محمد.ع « الذي يجد نفسه يوميا تحت رحمة حرارة لا تقاوم في وقت الظهيرة، خاصة أن الوقت يتزامن مع توقيت دفن الموتى أي بعد صلاة الظهر وإلى غاية صلاة العصر، «محمد» أكد لنا أنه كثير ما يجد مشقة في حفر القبور بمفرده في ظل غياب المتطوعين، حتى وأنه يكون مجبرا على حفر أكثر من قبر في اليوم الواحد، ناهيك عن الضغط الذي يتلقاه من طرف أهل الفقيد للتعجيل بالدفن. ولعل أكثر ما يزعجه هو رحلة البحث عن قبر لدفن الميت لاسيما إذا ما فرض أهل الفقيد دفنه بجوار أقربائه، وهو ما يزيد عناء ومشقة الحفر، والأكثر من ذلك فإن صعوبة الظروف الطبيعية والمناخية التي تواجه محمد على غرار الأرض الوعرة، أين يستغرق منه الأمر بين ثلاثة إلى أربع ساعات تحت درجات حرارة مرتفعة، ويقول أنه كثيرا ما يتعرض إلى الإغماء. يقول محمد أنه أغمي عليه في اليوم الثاني من رمضان، خلال عملية حفر أحد القبور، بعد تلقيه رخصة الحفر في وقت الظهيرة. معاناة أخرى يتجرعها بشير، الذي يعمل كحفار للقبور منذ 7 سنوات بمقبرة بوزريعة، هو الآخر تعرض للدغة ثعبان في رمضان الماضي أثناء قيامه بالبحث عن قبر، يقول :«أكثر ما يخيفني رؤية الأفاعي في شهر الصيام، حيث أكون عاجزا على مواجهتها، يكفيني مشقة الحرارة وضربات الشمس». خبازون تحت رحمة حرارة أفران ب 350 درجة جولتنا الثانية كانت بإحدى المخابز بساحة الشهداء المتواجدة بالطابق السفلي، عقارب الساعة كانت تشير إلى التاسعة صباحا، ولدى دخولنا حجرة الأفران قابلنا عدد من الشباب كانوا منهمكين بإعداد مختلف أصناف الخبز وسط حرارة الأفران الملتهبة، فالعمل هناك يشبه إلى حد كبير عمل عمال المناجم، فهؤلاء يستميتون في توفير الخبز على موائدنا. «سعيد» 33 سنة عامل في الفرن، يقول إن مهنتهم شاقة وصعبة فهم لا يعرفون طعم الأعياد مع العائلة ولا طعم النوم ويزاولون عملهم بدءا من وقت السحور إلى غاية الثانية زوالا، ناهيك عن الأخطار التي يواجهونها بسبب خطر الإصابة بالتيار الكهربائي، ويقول سعيد، أن العديد من الخبازين يعانون أمراض الحساسية والربو وسرطان الرئة في ظل عدم توفر المعدات المتطورة في صناعة الخبز. ويؤكد صاحب المخبزة «رشيد.ب» إنه كثيرا ما يضطر إلى إسعاف عمال الأفران إلى مصالح الاستعجالات، وذلك بسبب عدم تحملهم حرارة الأفران، خصوصا في شهر الصيام، خاصة وأن المعدات المتوفرة بالجزائر، غير مجهزة بمكيفات وهو ما يصعب على الخبازين مزاولة المهنة، السبب الذي يجعل الكثير يعزفون عن ممارسة هذه المهنة. إغماءات بالجملة للفلاحين بسبب جني محصول العنب والبطيخ الفلاحون هم أيضا عرضة لمخاطر ضربات الشمس الحارقة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ولأن جني محصول الطماطم والبطيخ والعنب يتزامن وموسم الصيف، فهم يواجهون صعوبات في عملية الجني، لكونهم لا يستطيعون تأجيل موسم الجني إلى ما بعد رمضان باعتباره رزقهم الوحيد.«عمي رابح» 62 سنة، وهو فلاح متمرس منذ أزيد من 40 سنة، التقيناه بمزرعته في بوسماعيل، يقول إن خبرته في ميدان الفلاحة تجعله يحسن التعامل مع أشعة الشمس الحارقة خلال موسم جني المحصول، إلا أن هناك فلاحين من فئة الشباب معرضون لخطر الجفاف والعطش والموت بسبب ضربات الشمس، والكثير منهم نقلوا إلى مصالح الاستعجالات ولقوا حتفهم، وأضاف أنه في السنة الماضية توفى حوالي 8 فلاحين ببوسماعيل، بسبب تعرضهم لدرجات الحرارة المرتفعة. وكشف المتحدث إنه سبق وأن أفطر مرات عديدة لعدم تحمله مشقة العطش وكثيرا ما كان يُغمى عليه، وفي هذا السياق سجلت المصالح الاستشفائية الجوارية بولاية بوسماعيل وتيبازة، توافد أزيد من 20 فلاحا منذ بداية رمضان.
موضوع : فلاحون يموتون وخبازون يكتوون تحت لهيب الحرارة 0 من 5.00 | 0 تقييم من المستخدمين و 0 من أراء الزوار 0