بعد عناء كبير وصلنا إلى التائب ''محمد.س'' المكنى ب''أبو داود الحذيفي'' الذي كان ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، قبل التحاقه بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أطلق عليها فيما بعد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، هو مظلي التحق بالعناصر الإرهابية، بعد أن قضى 8 سنوات خدمة بالجيش، درب بلزرق الهواري منفذ محاولة اغتيال الرئيس، يقول إن مرضه جعله يستفيق من كابوس اسمه الجماعات الإرهابية، بعد أن حاولت تصفيته لأنه أصبح عاجزا. كأي طفل في صغره كان محمد يطمح في الوصول إلى المراتب العليا، وحلمه الذي مازال يراوده حتى الآن، هو دراسة العلوم الطبية كون معاناة الوالدة بمرض مزمن منذ صغرها، أقعدها طريحة الفراش لسنوات، هي الكلمات التي بدأ بها محمد حديثه إلينا، ليسكت للحظات متأثرا بما حدث له ولعائلته ''ليتني ثابرت من أجل حلمي''، لأن الظروف القاهرة والمزرية التي كنت أعيشها وسط العائلة، منعتني وإخوتي من مواصلة الدراسة''، يقول '' محمد'' أنه تخلى عن مقاعد الدراسة، وعمره لا يتجاوز 16 ربيعا بمستوى السنة التاسعة أساسي، حيث وجد نفسه مع إخوته مسؤولا عن 20 فردا، خاصة بعد رحيل الأب وزواجه من امرأة أخرى، وهو ما زاد الطينة بلة، وأفقد الأسرة توازنها. يستطرد ''محمد'' في سرد مأساته، فبعد فشله في إيجاد عمل مستقر طيلة سنتين، التحق بصفوف الجيش الوطني الشعبي، الذي كان سبقه إليه اثنان من إخوته، وبالضبط كان ينتمي للقوات الخاصة ''المظليون ''، يقول محمد أنه خلال ثماني سنوات من العمل في صفوف الجيش الوطني الشعبي اكتسب مهارات عديدة، تعلمت معنى الوطنية، شاركت في عدة عمليات تمشيط ضد الإرهاب، توفي العديد من زملائي، المهم كنت من أشد الحاقدين على ما أسموه بالجماعات المسلحة، وتمنيت الانتقام لأرواح زملائي الشهداء، لأنهم كانوا فعلا شهداء المهنة والوطن، ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن نعيش نحن، انضمواإلى قائمةالمليون ونصف المليون شهيد بجدارة واستحقاق''، لكن إلى هنا الأمور كلها كانت عادية إلى الغاية. '' زميلي كشف أمري اثر اتصالي بأخي الإرهابي يسكت ''محمد'' قليلا، ثم يضيف ''بعد خدمة دامت أكثر من 8 سنوات في صفوف الجيش الوطني الشعبي، جاء اليوم المشؤوم الذي سمعت فيه، أن أخي الأكبرالتحق بالجماعات المسلحة، سقط الخبر علي كالصاعقة أنا وأخوتي الذين التحقوا بالجيش، المهم انقطعت زياراتي للعائلة، وكنت شديد الحذر من أن يسمع المسؤولون بالثكنة عن التحاق أخي بالجبل، لأن ذلك كان سيؤثر على مهنتي وسط الزملاء، خاصة أنني كنت معروفا بالانضباط في العمل، وبعد فترةاتصل بي أخي وطلب ملاقاتي لأمر طارئ، وبعد إلحاح كبير وافقت على لقائه، خاصة بعدما وصف لي حالته بالمزرية والصعبة، وذكرني بالأمور الأخوية والجانب الديني في مساعدة الإخوة لبعضهم البعض، بغض النظر عن انتماءاتنا، لقد استعمل كل الوسائل لإقناعي، وفعلا نجح في ذلك...التقينا ووجدته في صحة جيدة، وأن ما قاله لي كان سوى حجة للنيل مني، استغليت فرصة لقائنا وحاولت نصيحته بالعدول عن قتل النفوس المؤمنة؛ فالدركي والشرطي والجندي كلهم إخوتنا،هنا قاطعني أحد زملائه الذي كان يتميز بالصبر والحكمة والتأثير في كلامه، خلاصة القول إنني وقعت في فخ الفتاوى التي تركز على الجانب السلبي دون الإيجابي، وبعد لقاءات متكررة معهم، استطاعوا التأثير علي أنا وأخوتي الذين كانوا التحقوا بصفوف الجيش الوطني الشعبي، وبنفس الطريقة أصبحنا أعينهم داخل الثكنات التي كنا ننتمي إليها، خصوصا إني كنت أعرف موعد عمليات التمشيط برا وجوا، وأطلعهم عليها، مما يتيح لهم نصب الكمائن أو مغادرة المنطقة إن كان عددهم قليلا، إضافة إلى ذلك كنت أنقل الوثائق والمنشورات من ولاية إلى أخرى، خصوصا أني أحمل بطاقة مهنية، هذا ما سهل عملية تنقلي مع الوثائق دون الخضوع إلى مراقبة أمنية، كنت عينهم الثانية حول ما يحصل داخل وخارج الثكنة، وبعد مد وجزر التحقت بالجماعات المسلحة النشطة بالبليدة، يقول محمد أن البداية كانت عندما سمعه أحد زملائه بالثكنة يجري مكالمة هاتفية، يعطي فيها مواعيد عن خروج أفراد الجيش الوطني لعمليات التمشيط، حيث أبلغ هذا الزميل المسؤولون بشكوكه نحوه، فخضعت للمراقبة وبعد تشديد الخناق علي هربت من الثكنة. حاجز أمني كان سببا في دخولي السجن ويواصل ''محمد'' سرد وقائع حياته المؤلمة، يسكت لبرهة متأثرا بما حدث له، ويقول بعد تشديد الخناق والضغط في الثكنة، خاصة بعدما سحبت منه ثقة أعز أصدقائه الذين أصبحوا يخشون التعامل معه، اختار المغادرة نحو الجبل والالتحاق بالجماعات الإرهابية، يقول:''قضيت 7 أيام في الجبل كأنها الجنة بحد ذاتها، ولم أكن أعرف ما ينتظرني''، ''وبعد ذلك أمروني بالتنقل بحذر لجمع المعلومات ونقل المنشورات، باعتباري ورقة رابحة لحد تلك الساعة، بقيت على هذاالحال مدة شهرين تقريبا، إلى أن ألقي عليا القبض في حاجز لأعوان الدرك الوطني، وكنت في طريقي إلى ولاية تيارت، كانت هناك مراقبة عادية، أين قاموا بتفتيشي وهناك وجدوا المنشورات فطلبوا الهوية مني فتظاهرت بنسيانها فظهر الارتباك عليا، حاولت الفرار لكن لم أفلح، حيث تم إلقاء القبض عليا، وحوكمت بتهمة حيازة المنشورات، قضيت عامين في السجن، وبعدها خرجت والتحقت بالجبل مباشرة، لأنني خلال فترتي سجني كنت أحلم بجنة اسمها الجبل... منحت منصب نائب للأمير.. ودربت أكثر من 30 عنصرا على العمل المسلح خلال فترتي بالسجن، علمت بوفاة أخي الأكبر ومعاناة عائلتي بسبب وفاته خاصة الوالدة التي توفيت اثر فاجعة أبنائها، الذي لم يفلح ولا أحد منهم، أعطيت عهدا أن أنتقم له، حيث صور لي ما قلته بصورة بشعة، المهم عينت مدربا للمرة الأولى، كوني لي خبرة في السلاح ومعلومات عن تحركات الجيش، حيث كنت التقي بالشبان الملتحقين حديثا، بالجبل أدربهم كيفية استعمال السلاح، زرع الألغام ...الخ، وهنا انتقلت من البليدة إلى ولاية باتنة أين عينت نائبا للأمير، وكان تحت وصايتي حوالي 35 فرد، يتراوح أعمارهم بين 15 إلى 30 سنة، لكن أغلبهم كانوا قصر، من بينهم'' بلزرق الهوا ري'' المدعو ''أبو مقداد اليمني''، منفذ عمليةاغتيال الرئيس بولاية باتنة، الذي تدرب على يدي، بعد تلقيه تدريبات ببني صاف بولاية عين تموشنت، وقبل الأيام الأخيرة لتنفيذ العملية كان تلقى تدريبات على يدي.. كنت أجهل أنه يحضر عملية لاغتيال فخامة الرئيس، لأن الأمر كان سريا للغاية، خوفا من تسرب الخبر إلى السلطات الأمنية، لأن تلك الفترة كانت تشهد تسليم بعض التائبين أنفسهم، وتطليقهم للعمل المسلح للاستفادة من قوانين المصالحة الوطنية، المهم أشهد له وللكل وأنا واحد منهم، أنه على جهل تام بأمورالدين حتى البعض منهم يجهل صورة الإخلاص، جلهم أن لم نقل الكل يعيش ظروفا مزرية مع عائلته جعلته يلتحق بالجبل، حيث يصورون لك الجنة في بادئ الأمر، ثم ترى عكس ذلك، ضغوط نفسية، انشقاقات ومشاكل مالية. العناصر الإرهابية حاولت التخلص مني بعد مرضي بعد فترة من العمل والتدريبات التي كنت أقوم بها، حدث وأن تدهورت صحتي، مما جعلني طريح الفراش لفترة، وهناك اصطدمت بالواقع المؤلم، حيث حاولوا التخلص مني بأية طريقة، لأني أصبحت عبء ثقيلا عليهم، وهناك أعلمني أحد الرفقاء أنهم يخططون لقتلي لأني لا أصلح، انقضت فترة مرضي وشفيت وتظاهرت بعدم علمي بأي شيء، واصلت عملي معهم وكلي حب في الثأر مما حدث لي ولعائلتي بسبب جهل ولا وعي مني، حاولت استرجاع ثقتهم لكي تتسنى لي الفرصة للهرب والالتحاق بميثاق المصالحة الوطنية. بعد أن تسنت لي الفرصة للهرب، اتصلت بالقوات الأمنية، أين ساعدوني في الاجراءت لتسوية وضعيتي، وعوملت أحسن معاملة، أحسست أنني فعلا عدت إلى الحياة وإلى موطني الجزائر لأني فعلا كنت أعمى، ولكن أود التأكيد على فكرة أن ما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ماهو إلا عبارة عن جماعات فاشلة غرضها التشويش على سمعة الوطن، وتشويه صورة الجزائر في المحافل الدولية، لأن هذه الجماعات تعاني ضغوطات نفسية قاهرة، وأزمات مالية خانقة، خصوصا بعد تضيق الخناق ومحاصرتهم من طرف قوات الأمن، وكذلك هذه الفترة التي شهدت وسوف تشهد تسليم عدد كبير من التائبين أنفسهم، وفي الأخير أوجه رسالة إلى كل الشباب الجزائري أن التحاقهم بمثل هاته الجماعات، أكبر غلطة يندمون عليها طوال حياتهم وسيؤثر على مسيرتهم، وأوجه ندائي أيضا إلى من غرر بهم، أن أبواب المصالحة مفتوحة، ومادام هناك رئيس حكيم كفخامة رئس الجمهورية، يجب علينا مساندتهمن أجل مصلحة الوطن