في أول قضية قرصنة إلكترونية تطرح على مستوى العدالة الجزائرية، نظرت نهار أمس محكمة الجنح لباتنة في ملف الهاكر ''ع.ي'' 21 سنة، الذي وجهت له تهمة البحث والتجميع والنشر والإتجار في معلومات إلكترونية بطريقة غير قانونية، وسط دهشة كل من كان في قاعة المحاكمة من متهمين، عناصر شرطة، محامين، مواطنين وحتى القاضي وممثل الحق العام. حيث ساد جو من الهدوء الكبير والإنتباه الشديد لتفاصيل المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها دون كلل أو ملل كما جرت العادة، خاصة أثناء استجواب المتهم وطبيعة الأسئلة والأجوبة التي ورغم أن معظم من كان داخل القاعة لم يفهم فيها شيئا، إلا أن الإنتباه بقي سيد الموقف إلى النهاية، ذلك لأن أسئلة القاضي وممثل الحق العام كانت تتمحور حول أمور غير مألوفة لدى عامة المواطنين، والمألوفة منها كانوا يقرؤونها في الجرائد أو يسمعون عنها عبر أمواج الإذاعة وشاشات التلفزيون، باعتبار أنها كانت تتمحور حول مكتب التحقيقات الفيديرالي الأمريكي والأتراك والروس والإنجليز، وكبرى الشركات الأمريكية الخاصة بتطوير منظومات حماية المواقع الإلكترونية والقرصنة وبيع وشراء المعلومات عبر العالم الإفتراضي والأنترنت عن طريق المساومة والإبتزاز، وكان المتهم الذي بدت على وجهه ملامح التخلق والطيبة والسلوك السوي والذكاء الخارق، يجيب على جميع أسئلة القاضي بثقة وهدوء كبيرين، مفندا التهمة التي وجهت له، وموضحا أنه كان فقط يقوم ببيع أنظمة معلومات خاصة بحماية المواقع الإلكترونية، ويقوم بخدمات إشهارية لصالح أصحاب المواقع الإلكترونية الراغبة في ذلك، نظير تلقيه أموال مقابل هذه الخدمات، إلا أن القاضي كان يؤكد أن المتهم يقوم بالدخول إلى مواقع شركات أمريكية ويستولي على معلوماتها السرية، قبل أن يساومها من جديد بدفع أموال مقابل استرجاع تلك المعلومات، كما أكد القاضي أن المتهم يقوم ببيع تلك المعلومات لقراصنة من أستراليا، أوروبا الغربية، روسيا وتركيا، وهو ما أكدته الخبرة المنجزة من طرف الشرطة العلمية، والتي تلا تفاصيلها شرطي خبير قال إن المتهم وباستعمال بريده الإلكتروني الحامل لاسم مستعار يعني بالعربية ''القبعة البيضاء''، قام باقتحام موقع شركة ''ساف نات وورك'' الأمريكية المختصة في توفير الحماية لمختلف المواقع الإلكترونية، واستولى على معلومات سرية لزبائنها وساوم القائمين على الشركة بدفع مقابل مالي نظير استرجاع تلك المعلومات، وأن المتهم كان يقوم ببيع معلومات سرية خاصة بزبائن مواقع أخرى مقتحمة لقرصانين روسي وتركي وآخر جزائري مقيم في إنجلترا، مقابل مبالغ مالية ترسل إليه عن طريق حوالات بريدية عبر مؤسسة » وسترن يونيون « العالمية، وحسب قاضي الجلسة فإن بداية كشف القضية كانت بعد شكوى شركة ''سافت نات وورك'' لمكتب التحقيقات الفيديرالي الأمريكي ''آف بي آي''، تفيد بأن موقعها تعرض إلى قرصنة من قبل » هاكر « مجهول، تبين أنه جزائري بعد استعمال طرق علمية وتقنية متطورة، وهي الشكوى التي طلب من خلالها البوليس الدولي المساعدة من طرف الشرطة الجزائرية، هذه الأخيرة وفي إطار اتفاقيات تعاون دولية وباستعمال طرق تقنية كذلك واستغلالا للبريد الإلكتروني الذي كان يتعامل به القرصان، تم تحديد مكان هذا الأخير الذي حيّر أمريكا ودوّخ مكتب تحقيقاتها، وهو الشاب الباتني البالغ من العمر 21 سنة المدعو ''ي.ع'' القاطن في حي بوزوران وسط مدينة باتنة، والذي كان يقوم بكل تلك العمليات من غرفة مسكنه، قبل أن يلقى عليه القبض وتحجز في غرفته حوالات بريدية مختلفة وقرص مضغوط يحمل معلومات سرية خاصة بالشركة الأمريكية ''ساف نات وورك''، ويحال بعد تحقيقات معمقة على أعلى المستويات على محكمة الجنح، التي أدانته نهار أمس عقب محاكمة فريدة من نوعها دامت ساعتين من الزمن بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية مقدرة بخمسة ملايين سنتيم، بعد التماسات وكيل الجمهورية بتسليط عقوبة سنتين حبسا نافذا، وكان ممثل الحق العام الذي كان بدوره مندهشا لقوة تحكم المتهم، الذي لا يتعدى مستواه الدراسي السنة الثالثة ثانوي في الأنظمة المعلوماتية والإعلام الآلي، أشار إلى تواجد عدة مواقع شركات أمريكية اقتحمها الهاكر الباتني، ذكر منها ثلاثة مواقع فقط، وأنه عرض بيع 2000 معلومة ب8 دولار مقابل المعلومة الواحدة، وذلك خلال أطوار الفخ المنصوب له من قبل الجهات المختصة، الأمر الذي نفاه المتهم تماما وقال في شأنه إنه أراد فقط تصريف صاحب البريد الإلكتروني الذي عرض عليه فكرة شراء المعلومات المتواجدة بحوزته، وأضاف وكيل الجمهورية أن طبيعة هذه الجريمة التي تعالجها العدالة الجزائرية لأول مرة تعد سابقة من نوعها، وأن القانون الجزائري يجرم أفعالها وأن ما قام به المتهم يدخل في إطار التهمة الموجهة إليه، لذلك التمس إدانته بسنتين حبسا نافذا، هذا وكان دفاع المتهم المتكون من محاميين اثنين، قد ركّزا في مداخلتيها على انعدام أدلة التجريم من ركن مادي ونية في الجريمة، خاصة بعد رفض أحد المحاميين الخبرة التي أتت بها العدالة عن طريق الشرطي الخبير، حين قال إنه من الطبيعي أن تكون الخبرة ضد المتهم في هذه الحالة، مطالبا من رئيس الجلسة تسجيل إشهاد رفض من قبل القاضي، مضيفا أن موكله قد يكون أخطأ بالدخول إلى الشبكة العنكبوتية، لكنه لم يقم البتة بقرصنة مواقع أمريكية أو بيع معلوماتها السرية، كما تساءل الدفاع عن الأضرار التي ألحقت بالشركة التي تعرضت إلى القرصنة، ملتمسا من هيئة المحكمة براءة موكله المنحدر من عائلة جد محترمة، كل أفرادها إطارات في الدولة الجزائرية، مستشهدا في خصوص المتهم أنه غير مسبوق قضائيا ما يدل على أنه مواطن صالح، وأنه مجرد هاوي لإبحار في عالم الأنترنت لا غير، كما أضاف الدفاع أن شكوى المؤسسة الأمريكية لم تقتصر فقط على موكله وإنما تعدت عدة دول عبر العالم، دون الإشارة إلى ما إن كانت هذه الشكاوى وراء القبض على الهاكر التركي صديق الهاكر الباتني المتواجد حاليا رهن الحبس مثلما قال ممثل الحق العام في مرافعته، وبناء على كل ذلك ولانعدام أركان الجريمة حسب الدفاع - التمس تبرئة ساحة الشاب من التهمة الموجهة إليه. وحسب مجريات المحاكمة فإن المتهم كان يقوم بقرصنة مواقع إلكترونية منذ سنة 2006 وتحصل مقابل ذلك على حوالي 100 مليون سنتيم، ولأن والد المعني يعد من رجال الأعمال المعروفين فقد ساد اعتقاد وسط الحضور حسب البعض منهم أن يكون المتهم قد سقط ضحية شبكة هاكر عالمية، استغلت مهارته في التحكم في الإعلام الآلي لتحقيق أغراض مشبوهة، منها جني أموال طائلة مقابل إعادة بيع المعلومات المباعة لهم بمبالغ رمزية لنفس المؤسسات التي تعرضت إلى القرصنة، وهي الفرضية التي رجّحها قاضي الجلسة وكذا ممثل الحق العام. محاكمة قناص مواقع أمريكية جرت في ظروف أمنية مشددة في ظروف أمنية مشددة ومنظمة وبحضور ممثلي جريدة ''النهار'' في باتنة مثل صبيحة أمس الثلاثاء، أمام محكمة الدرجة الأولى لباتنة، الهاكر الباتني (ع،ي) المتهم بالبحث والتجميع والنشر والإتجار في معلومات إلكترونية بطريقة غير قانونية، بعد دخوله أحد أهم المواقع التجارية الإلكترونية لشركة ''صافونات'' الأمريكية، أين تم على إثر قائمة بيانات كان قد تحصل عليها من طرف صديقه الروسي بالتجول بكل حرية داخل أروقة العالم الإفتراضي منذ سنة 2006، مما جعله يخترق الأسوار الإفتراضية لهذه الشركة التي كان من المفروض أن تكون محصنة، وباكتشاف الشركة المعنية الإختراق الحاصل في موقعها تم تطويره، غير أن الشاب (ع،ي) استطاع للمرة الثانية اختراقه، ليتصل بعد ذلك بالمسؤولين على رأس الشركة صاحبة الموقع وإخبارهم بأنه توصل إلى دخول موقع الشركة، عارضا عليهم توفير نظام حماية لموقع هذه الشركة، غير أن الشركة المعنية اتهمته بأنه هددها بتسريب المعلومات التي تمكن من الحصول عليها، لكنه نفى تهديده لهم كما جاء في شكوى الشركة، وللإشارة فإن هذه المحاكمة قد جرت في أجواء يسودها الحذر من كل الأطراف بداية بالقاضي إلى ممثل الحق العام ودفاع المتهم، في الوقت الذي كان فيه الشاب (ع،ي) صاحب 21 سنة هادئا جدا. الشباب الباتني .. القناص يستحق جائزة والدفاع يطالب بالبراءة كما كنا نتوقع فقد لفت انتباهنا حضور قوي لمختلف شرائح المجتمع، خاصة وأن الأمر يتعلق بمحاكمة هي الأولى من نوعها في الوطن، حيث ساد الهدوء قاعة الجلسات وبات واضحا أن الكل متلهف لسماع كل كلمة تتعلق بقضية القناص الباتني، خاصة وأن مستواه العلمي لا يتجاوز السنة الثالثة من التعليم الثانوي، كما أن شخصية المتهم الهادئة أثارت فضول الحاضرين الذين كانوا يتوقعون أن يجدوا شخصا مرتبكا، مما جعل بعض الشبان الحاضرين يمثلونه بالقناص الذي يستحق جائزة، ومن جهة أخرى وعلى غير العادة فقد بدا واضحا حذر كل الأطراف في هذه القضية بداية من قاضي الجلسة وممثل الحق العام، اللذين كانا يدركان تماما خطورة الأفعال المنسوبة للمتهم، غير أن القضية كادت أن تخرج من نطاقها بعد أن أبدى دفاع المتهم احتجاجه على استعانة المحكمة بخبير مشيرا إلى أنه من أنجز الخبرة، غير أن قاضي الجلسة طمأنه بأن الخبير موجود في القاعة، نظرا إلى وضعية القضية التي تعتمد على معرفة تقنيات الإعلام الآلي وليس أكثر. محكمة باتنة تنطق بعام حبسا نافذا في حق الهاكر الباتني من خلال تصريحاته أشار الشاب المتهم (ع،ي) إلى أنه تمكن من بناء علاقات مع أشخاص من مختلف دول العالم بغرض المعاملات في مجال الإشهار، إلا أنه نفى أن يكون عمله هذا بغرض القرصنة وتعطيل المواقع الإلكترونية، وللإشارة فقد جاءت الشكوى بعد اتصال المعني بالأمر بمسؤولي إحدى الشركات الأمريكية المختصة في حماية المواقع الأمريكية، يعرض عليهم تطوير موقعها لحمايته من الإختراقات، مشيرا إلى أنه متعود على بيع بعض المعطيات الإلكترونية إلى أشخاص عاديين من مختلف دول العالم، إضافة إلى تخصصه في تصميم المواقع الإلكترونية، ومن بين الأشخاص المتعاملين معه شخص من روسيا وآخر من تركيا وهو محبوس في الوقت الحالي، وفي كلمته أشار ممثل الحق العام إلى أن المتهم قد تم استغلاله من طرف قراصنة الإعلام الآلي في العالم، حيث أنه كان قد عرض مجموع 2000 معلومة إلكترونية بمبلغ 8 دولارات للمعلومة الواحدة، وهو سعر جد رمزي مقارنة بالأسعار الحقيقية المعمول بها عالميا في هذا المجال، مشيرا إلى وجود معطيات وجدت في جهازه للإعلام الآلي من طرف الأمن مستنسخة، والتي تتعلق بشركة دولية في مجال تمكين وحماية المواقع الإلكترونية، ليلتمس فيما بعد من هيئة المحكمة بالنطق بسنتين حبسا نافذا، غير أن دفاع المتهم كان قد أوضح بأن البوليس الفيديرالي قد حاول جر موكله إلى ترك دليل مادي يثبت إدانته، مشيرا إلى أن موكله ليس مجرما محترفا بل وجد نفسه عن طريق الصدفة أو الخطإ وسط مئات من المعلومات، موضحا بأن ما يثبت نية موكله أنه لم يحاول إطلاق فيروس أو شيء من هذا القبيل، وأن المعلومات التي ضبطت لديه كانت بغرض الإحتفاظ بها لا غير، ليعيد التأكيد مرة أخرى على أن البوليس الفيديرالي وبغرض وصوله إلى دليل مادي إدانة المتهم طلب شراء بعض المعلومات من الشاب (ع،ي)، غير أن المتهم رفض ذلك بعد أن أوضح بأن عمله لا يتجاوز حدود الحفاظ على المواقع، ليشير بعد ذلك إلى انعدام أي دليل مادي يؤكد قرصنة بطاقات الإعتماد، التي اتهم من خلالها بأنه يحول مبالغ مالية فيها إلى أشخاص آخرين في مناطق مختلفة من العالم، ليوجه التهمة مسؤولية الإختراق الحاصل في الأخير إلى الشركة ذاتها والتي أكد أنها لو كانت تحمي نفسها لما توصل هذا الشاب إلى اختراقها ولو عن طريق الصدفة، ليلتمس في نهاية مرافعته بالنطق ببراءة موكله مع رد المحجوزات التي تعود إلى ملكية والده، فيما نطقت المحكمة بعام حبسا نافذا وغرامة مالية بمبلغ 50,000 دج إلى جانب مصادرة الأشياء المحجوزة، ليبقى انتظارنا حول ما ستفرز عنه المستجدات مستقبلا في هذه القضية قائما.