إنني لأحسب أنه ما من مسلم مؤمن يقرأ هذه الآية الكريمة إلا وتكبر فيه العزة بالإسلام والنخوة بدينه العظيم، كيف لا وقد منّ عليه المنان بأن جعله منتميا لأمة من خير الأمم التي مرت على وجه الأرض، أمة سيد الخلق والمرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين. أجل ..كنا خير أمة أخرجت للناس عصر الجاهلية لتخرجهم من الظلمات إلى النور، خير أمة لأنها تضمنت أجمل خلق الله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وآله الكرام وأصحابه الأفاضل. خير أمة لأنهم التزموا بما جاء في كتاب الله وقدسوا كتابه وعظموا سلطانه وكانوا لدينه "دين الإسلام" من الحماة العظام. كانوا خير أمة لأنهم اعتزوا بالإسلام فأعزهم الله، واستنصروا الله فنصرهم، واستهدوا بالله فهداهم هتفوا بأعلى أصواتهم "لا إله إلا الله"، حاربوا الجهل، قاوموا الظلم، واتقوا الله حق تقاته، إذن فقد استمسكوا بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، تمسكوا بحبل الله الذي لا ينقطع لأجل كل ذلك كانوا خير أمة أخرجت للناس. وإنه لعلى خلق عظيم جاءهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ينير دروبهم ويضيئ طريقهم إلى الحق ويقوي إيمانهم ويزين حياتهم فما كانوا عنه معرضين بل كانوا بقدوته راضين قانعين غير ساخطين. قال الله تعالى لهم "وإنه لعلى خلق عظيم". فآمنوا به وقال لهم حبيبهم صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فاستبشروا إذن ..فالهدف واضح والغاية جلية: "لأتمم مكارم الأخلاق" فالخلق سر حياة الفرد، .إن حسنت نجا وإن غير ذلك فالله المستعان. وابتدأ المسير في قافلة الخير على يد الحبيب محمد وانطلقت الرحلة يقودها المصطفى بصحبة الأخيار من آله وصحابته رحلة قاسية حالكة لولا نور النبوة كان يضيء لهم ذاك الدرب الصعب وتستمر الرحلة. وها هي المدرسة المحمدية ما زالت تفتح أبوابها لتستقبل الأخيار وهاهم أولئك الذين اختاروا لقلوبهم طريق النور يسيرون على خطاه ويحتمون بحمى الله وحماه، وها نحن اليوم ماولنا نردد "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، نرددها بقلوب حية وأخرى تصارع الموت. هل نحن الآن حقا كذلك؟ نعم فاليوم مازلنا نحن أمة الإسلام ولكن أين الإسلام منا؟ اليوم أترانا ضيعنا الدرب الذي سلكته تلك القافلة المباركة أم أن الخطى مازالت تبحث عن نفسها في هذه الصحراء؟ اليوم نردد كلما قرأنا كتاب الله "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ونتساءل هل نحن الآن حقا كذلك؟ ولكن الإجابة تأبى إلا أن تفرض نفسها... أجل إننا كذلك وسنظل كذلك، لولا أن بعض الركب قد تخلف عن القافلة ولولا أن البعض قد تعب من شقاء الرحلة ولولا أن آخرين قد راق لهم درب آخر، ولكننا سنسعى إلى أن نجمع شمل القافلة من جديد، سنسعى إلى أن نجمع شمل الأمة، ونعيد أولئك الذين حادوا عن الدرب المنير وكل ذلك فقط بالاستنداد إلى النور المحمدي، فلن نبتعد عن المدرسة المحمدية وسنكون نعم التلاميذ النجباء. وسنحفظ الدرس ليفخر بنا المعلم وننهي الرحلة على خير لنلقى في آخر المطاف المعلم بأحسن حال وعلى خير الأوصاف.