تعاني عديد المراكز الاستشفائية الجوارية وقاعات العلاج بقسنطينة جملة من المشاكل جعلتها في حاجة لتأهيل حقيقي، سواء من جانبه المادي أو البشري، وبين بنايات متآكلة وأسقف آيلة للسّقوط وفريق طبي غائب تكاد تتحوّل بعض هذه الهياكل إلى بيوت أشباح يهرب منها سكان المناطق النّائية بعدما كانت مقصدا لهم، ليكشف الواقع المرير لقطاع أصابه الوباء بكلل المقاييس وأدخل جانبه الجواري في الإنعاش !! «السّلام” قامت بزيارة لبعض الهياكل الاستشفائية التّي من المفروض أنها تعمل على خدمة السّكان وتوفير التّغطية الصّحية اللاّزمة، وفق استراتيجية الوزارة الوصية المتعلّقة بتشجيع الصحة الجوارية وتقريبها من المواطن، لكن الواقع في بعض القرى يترجم وضعيات كارثية لقاعات العلاج التّي يمكن أن يقال عنها “خرابة” بأتمّ معنى الكلمة، والمثير أنّ غالبيتها تنبئ خارجها عمّا هو موجود بالدّاخل بحيث تكاد الأسقف تسقط على رؤوس مرتاديها والممرّض أو الطّبيب الموجود - إن توفّر - بسبب غياب الطّاقم المؤهل في غالبية القاعات . حقنة تحت خطر الموت... واختصارا لحالة بعض قاعات العلاج بقسنطينة فإنّ المريض قد يقصدها لأخذ حقنة من الممكن أن تنقله للعالم الآخر في حال تساقط السّقف أو انهارت الجدران المتآكلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّ قاعة العلاج بقرية قصر النّعجة ببلدية زيغود يوسف تكاد تتوسّل الإعفاء من الخدمة بفعل التّشقّقات التّي طالتها وحالة الجدران والأسقف المتهالكة، ناهيك عن عدم توفّر الأطباء الذّين من الممكن أن يقوموا على خدمة سكان المنطقة، المضطرين غالبا للتّنقل لوسط البلدية لمجرد علاج بسيط أو إسعافات أوّلية. وهو ما ينطبق على قاعة المريج و900 مسكن بالخروب وغيرها من القاعات التّي قد تزيد من حدّة بعض الأمراض، سيما إن وقفنا على وضعية تسرّبات مياه الأمطار والرّطوبة ورائحة العفن المنبعثة منها التّي شبّهها أحدهم برائحة القبور، وهو الجوّ الذّي من المفروض أن يكون آخر ما نقابل به مريضا يريد التّعافي والعودة لحياته الطّبيعية. هروب جماعي من قاعات العلاج هذا ويهرب الأطباء من قاعات العلاج بمختلف بلديات الولاية الاثنتي عشر لوقوع بعضها في مناطق نائية أو عدم توفّرها على الوسائل والتّجهيزات التّي تسهّل من القيام بمهامهم، فيما لا تبدي مديرية الصّحة اهتماما بهذه القضية التّي تشغل سكان القرى والمداشر والمشاتي ممّن يطالبون بنصيبهم من حقّ العلاج والتّداوي، بدل اللّجوء لقطع مسافات طويلة بغية الحصول على خدمات طبيّة بسيطة جدا. والمثير أنّ بعض قاعات العلاج قد تتوفّر أحيانا على طبيب واحد لآلاف السّكان وبدوام غير كامل، بينما قد يسوء الحال في بعضها، بحيث لا تتوفّر إلاّ على ممرض واحد، أو شخص قد يأتي مرّة في الأسبوع لفتح القاعة على أمل تجديد هوائها، حسبما يتداوله سكان إحدى المناطق الرّيفية على سبيل التّنكيت. الحدّ الأدنى من الخدمات غير متوفرّ لتكتمل الصّورة القاتمة عن قاعات العلاج كهياكل تشبه “الخرابة” التّي لا يقصدها أحد، فإنّ الخدمات التّي تقدّمها أغلبها توحي بضرورة غلقها بدل التّفاخر بعددها، بحيث أنّ غالبيتها عاجزة عن تقديم الحدّ الأدنى من العلاج، نظرا لنقص الإمكانات كأجهزة قياس الضّغط مثلا، دون الحديث عن اللّقاحات والأدوية الضّرورية، لدرجة أنّ بعضها هجرت تماما من طرف السّكان الذّين أدركوا عجز الهيكل عن تقديم الحدّ الأدنى من الخدمات، مادامت الجهات المعينة حرصت على إبقائه هيكلا بلا حياة. ولأنّ قاعات العلاج لازالت ترتّب أسفل سلم اهتمامات المسؤولين هذا إن صنفت أصلا- فإنّ أحد الأطباء بإحدى قرى قسنطينة يتكفّل بفتح القاعة المسؤول عنها، بينما يتحمّل أيضا عناء تنظيفها، وهي المهمة التّي تجعله يحس بالتّعب مادامت القاعة مخصّصة لراحته نظرا لعدم توفّر الإمكانيات لتقديم أيّة خدمة علاجية للسّكان. الأرقام تتحدّث لوحدها وتكشف وبلغة الأرقام التّي لا تكذَّب فإنّ قسنطينة بها 27 هيكلا للصّحة الجوارية بعض منها مغلق بلا سبب ولا مبرّر، حتى أنّ الجهات الرسمية فوجئت بغلقها أثناء إعداد التّقارير عنها، وهي الوضعية التّي تطرح أكثر من سؤال..وبلا إطناب فإنّ قاعة علاج وحيدة ببلدية ديدوش مراد وبالضّبط بمنطقة واد الحجر تتوفّر على كافة الشّروط والظّروف المساعدة، بينما تتخبّط القاعات الأخرى في مشاكل تقود لهجرانها نهائيا من طرف السّكان. هذه الأرقام المقدّمة من طرف جهات رسمية من حقّ أي مواطن أن يحاسب بها السّلطات، التّي تتحدّث عن ميزانيات وأموال لأجل تحسين خدمات الصّحة الجوارية، بينما لا يلمس من نتائج هذه الميزانيات شيئ. اللاعدالة تطال القطاع وفي هذا الإطار يشير الكثير من سكان المناطق الرّيفية إلى اللاّعدالة المنتهجة من قبل المسؤولين، بحيث وبالإضافة لعدم الاهتمام بالصّحة الجوارية التّي تتراجع يوما يعد يوم وتعرف خدماتها تدنيا ملحوظا، فإنّ بعض المناطق لا تتوفّر حتّى على قاعة علاج واحدة رغم عدد سكانها وبعدها عن البلدية الأم، فيما أنّ بعض المناطق تحوي أكثر من قاعة علاج متقاربة كان من الممكن الاستغناء عن إحداها بكلّ بساطة. ويجبر سكّان بعض التّجمعات السّكانية على التّنقل مسافات طويلة للوصول لأقرب قاعة علاج قد لا يجدون بها ضالتهم، ممّا يجبرهم على تغيير الوجهة وهو ما يعني المزيد من الأعباء الإضافية. المستشفيات الكبيرة تدفع الثمن ونظرا لعدم فعالية قاعات العلاج الجوارية المنتشرة عبر بلديات الولاية، فإنّ ذلك يعود بالسّلب على المستشفى الجامعي وغيره من المستشفيات، التّي تكتظ بمرضى من كلّ المناطق بعضهم لا يحتاج لأكثر من وصفة دواء بسيطة أو إسعاف أوّلي، لا تستدعي منه التّنقل لمسافات طويلة لو أنّ قاعة العلاج القريبة تكفّلت بالأمر. وفي هذا الإطار فإنّ المستشفى الجامعي مثلا ليس عليه تحمّل تبعات التقصير في جانب الصّحة الجوارية، سيما أنّ ذلك يؤثر سلبا على التحصيل العلمي للأطباء الدّاخليين و غيرهم. ماذا تنتظر مديرية الصّحة؟ السّؤال الذّي يفرض نفسه فرضا هو ما الذّي تنتظره مديرية الصّحة للالتفات جيدا لهياكل الصّحة الجوارية المنتشرة عبر بلديات الولاية، سيما أنّ بعضها لا يحتاج لأكثر من تدعيم بشري ومادي دون تجشم عناء الترميم وغيرها. أمّا السّؤال الأكثر إلحاحا فهو عن أهمية مناقشة قضية الصّحة الجوارية في دورات المجلس الولائي وغيرها، والحديث عن مشاريع ترميم وإجراءات لتطوير الخدمات المقدّمة من طرف قاعات العلاج وتوصيات للنّهوض بها، تسقط كلّها في المياه بمجرد غلق الملف الذّي يظلّ حبيس الأدراج وطيّ النّسيان إلى غاية فتحه مرّة أخرى في إحدى المناسبات، على أن نسمع نفس الوعود قبل غلقه كالعادة لأجل غير مسمى..؟