يبرز متعاملون على حاجة الجزائر الماسة إلى قيام كيانات اقتصادية كبرى لتحريك الآلة المنتجة الوطنية ودفع قاطرة التنمية، ويرى من تحدثوا إلى “السلام" أنّ الفرصة متاحة عبر تحويل نصف مليون مؤسسة مصغّرة إلى مجمعات متحركة، بما سيوفر 1.7 مليون منصب شغل بحلول العام 2014. «السلام” سألت خبراء حول كيفيات ترقية النسيج المؤسساتي المصغّر في الجزائر إلى كيانات اقتصادية فاعلة، والجدوى من وراء هذه العملية الموصوفة بالكبرى من نوعها في البلاد. بهذا الشأن، يؤكد يوسف لشعب المدير العام لمجموعة “الجزائر استثمار”، أنّ تطوير المؤسسات الصغيرة إلى مستوى كيانات اقتصادية، سيكتسي فاعلية أكبر عبر الصيغة المستحدثة “رأس المال الاستثماري” الذي يعد “الأكثر مواءمة” برأيه لتمويل كل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاضعة للقانون الجزائري والناشطة بالقطاعين العام والخاص في إنتاج السلع والخدمات. ويشرح لشعب أنّ تجربة المؤسسات المصغّرة في الجزائر على حداثتها (انطلقت سنة 2000)، بيّنت الحاجة الماسة لتلك المؤسسات إلى تعزيز رساميلها وتحسين قدراتها، وهو ما يوفره الاتجاه الجديد القائم على رصد رساميل موجهة لتمويل تطوير المؤسسات، إضافة إلى توفير خدمات شركاء ماليين يقدمون خبرات ويتمتعون بكفاءات في التسيير، علما أنّ مشاركة هؤلاء تتراوح بين 5 و7 سنوات قصد السماح بترقية أكبر عدد ممكن من المؤسسات الصغيرة. 1540 مؤسسة خلقت 900 ألف وظيفة من جهته، يفيد رشيد موساوي المدير العام للوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أنّ تحوّل الأخيرة إلى كيانات اقتصادية ذات وزن وقيمة، يفرض اعتماد معايير صارمة يتم فيها إعطاء الأولوية للمؤسسات التي تنضج مشروعات استثمارية واعدة بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على منوال نجاح 1540 مؤسسة صغيرة ومتوسطة في خلق تسعمائة ألف وظيفة خلال فترة وجيزة، وإمكانية استحداثها 268 ألف منصب شغل في المرحلة القادمة، ويشير موساوي إلى أنّ العبرة بنجاعة المشاريع ونوعية خطط الأعمال والكفاءات التقنية والتسييرية للمقاولين الشباب. بدوره، يشدد عبد الرحمن بن خالفة المفوّض العام السابق للجمعية الجزائرية للبنوك والمؤسسات المالية، على أهمية مرافقة فعّالة للمؤسسات الصغيرة في التسيير والتجارة، حتى يتم تمكين هؤلاء المستثمرين الجدد من فرض أنفسهم أمام سوق تنافسية. ويشير كل من علي زعموم ومحمد الهادي عوايجية اللذان يديران وكالتي دعم تشغيل الشباب وتسيير القروض المصغرة وكذا صندوق التأمين على البطالة، إلى أنّ مؤسستيهما قامتا بمرافقة 150 ألف مشروع أنجزته المؤسسات المصغرة خلال مختلف الأشواط، وكذا في انتقاء المشاريع وتمويلها وخلال التنفيذ، ما يشكّل بنظر مراقبين دعما نوعيا سيسهم في وثبة المؤسسات الصغيرة. ميلاد ربع مليون مؤسسة في آفاق 2017 ويتوقع الدكتور محمد بن عزوز، أن تشهد الأربع سنوات القادمة خلق مائتي ألف مؤسسة في غضون الخمس سنوات القادمة، ما يرفع إجمالي المؤسسات الناشطة إلى 655 ألف مؤسسة بوسعها توفير 1.7 مليون منصب شغل بحلول 2014، بما سينعكس إيجابا على الواجهة الاجتماعية ويحسّن القدرة الشرائية، فضلا عن رفع القيمة المضافة. ويذهب بن عزوز المختص في الاقتصاد التطبيقي، إلى أنّ الكيانات المرتقبة ستكون محرّكا فارقا في معادلة النمو والبناء الاقتصادي، ودفع سوق الشغل والاستثمار، عن طريق المشاريع المندمجة التي تنسج على منوال تجارب ألمانيا، ماليزيا، وسنغافورة. الحراك مرهون بتفعيل الكفاءات الاقتصادية الرهان مرتبط برأي د/ بن عزوز بكيفية تفعيل الكفاءات الاقتصادية وتهيئة مناخ الأعمال، من خلال إعادة النظر في مسألة التمويل وتسوية إشكال العقار، ناهيك عن متابعة توظيف الأموال الممنوحة لمستثمري قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع الإشارة إلى أنّ هذه المؤسسات خضعت منذ العام 2000 إلى عمليات تطهير مالي متواصلة زادت كلفتها الإجمالية عن 2400 مليار دينار، ما جعل البعض يطالب بتصفية المؤسسات الفاشلة. ويرى د/ بن عزوز أنّ تأهيل المؤسسات المصغّرة، لا ينبغي أن يقتصر على الشق الكمي بل ينتقل إلى مستوى نوعي، بشكل يجعل هذه المؤسسات تتجاوز النطاق المحلي إلى مستوى ترقية صادرات البلد واقتحام الأسواق الخارجية. وتتحدث إحصائيات عن وجود ما لا يقلّ عن 46 ألف شاب (تتراوح أعمارهم بين 22 و35 سنة) ينتظرون فرصا لإنشاء مؤسساتهم الخاصة، كما أنّ آلاف الطلبات لخريجي معاهد عليا بحوزتهم تصورات مجدية اقتصاديا تنتظر الضوء الأخضر من البنوك والإدارات المعنية. 386 مليار دينار لإعادة بعث برنامج التأهيل أكد زعيم بن ساسي رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على إعادة بعث وشيك للبرنامج الوطني لتأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وأوضح بن ساسي، أنّ الإجراءات التي أقرتها وزارة المالية قد أخرت تطبيق برنامج تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بعدما كان يُفترض الشروع فيه بحر جانفي 2010، قبل أن يُعاد بعثه من جديد بفضل تدخل الوزير الأول الذي “سمح للأمور أن تعود إلى نصابها”. وتابع بن ساسي يقول “إنّ ذلك قد سمح بجعل الوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة “مسؤولة” عن تطبيق هذا الجهاز الجديد الذي يرمي -كما قال- إلى تأهيل حوالي 20000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة في أفق سنة 2014، بغلاف يربو عن 386 مليار دينار. كما أشار بن ساسي إلى أن لجنة قد تم إنشاؤها بهدف ضمان متابعة تطبيق البرنامج الوطني لتأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي تجتمع مرتين في السنة في إطار مهامها. أما بخصوص وضعية المناولة في الجزائر، اعتبر المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي يعد هيئة مستقلة تضم أربعين منظمة لأرباب العمل وجمعيات مهنية، أن مشاركة أكبر لهذا النسيج الصناعي ستسمح بالتقليص الملموس من فاتورة الواردات التي تقدر سنويا ب50 مليار دينار. وأكد قائلا “إن جزءا كبيرا من المنتجات التي تستوردها الجزائر يمكن تصنيعها محليا ويوفرها مناولون وطنيون، مما سيقلص بشكل كبير من الفاتورة الاجمالية للواردات”. من جانبه، أوضح براهيم بن ادريس رئيس الاتحاد المهني لصناعة السيارات والميكانيك، إنّ المناولة الوطنية سيما تلك التي تنشط في قطاع ميكانيك السيارات قادرة على تعويض الواردات، وأضاف بن ادريس أنّ “المناولة توفر للشركة الوطنية للسيارات الصناعية ما يوازي 400000 أورو من قطع الغيار الميكانيكية التي كانت تستورد من قبل”. وخلص في الأخير إلى أنّ “القول بأنه لا توجد هناك صناعة سيارات في الجزائر أمر خاطئ بل إننا نصنع منذ عديد السنوات آلات فلاحية وسيارات صناعية”. ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة معنية بإعادة معالجة الديون ستخص عملية إعادة معالجة الديون التي بادرت بها الدولة لصالح القطاع الخاص، حوالي 1000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة تنشط في عشر قطاعات. وجرى بدء إعادة جدولة ديون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الناشطة في ميادين البناء والأشغال العمومية والري والصناعة والتحويل. وسيمس الإجراء جميع المؤسسات التي تواجه صعوبات، بما فيها تلك الناشطة في قطاعي الفلاحة والصيد البحري، علما أنّه جرى استبعاد هذه المؤسسات قبل سنتين من مسح الديون الذي قررته السلطات العمومية لفائدة الفلاحين. وتنص الخطوة التي أقرتها ثلاثية ماي 2011، على إعادة جدولة ديون المؤسسات ذات الطابع الصناعي، وكذا تلك التي تنشط في ميدان الخدمات الزراعية وكذا المجموعات المصغرّة الناشطة في مجالات الصيد البحري، كما ستشمل العملية أيضا بالمؤسسات المختصة في إنتاج الزيوت وغرف التبريد، فضلا عن وحدات تربية الدواجن. وجدّد مسؤول بنك بدر التأكيد على أنّ الإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية، أتت بغرض انعاش حركية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال إلغاء مصاريف المؤسسات غير المُهيكلة وإعادة جدولة ديونها، مع تأجيل التسديد لثلاث سنوات تتكفل خلالها خزينة الدولة بالفوائد. من جهة أخرى، أوضح جبار أن أقصى مدة لإعادة جدولة القرض، جرى تحديدها بعشر سنوات، فيما ستعالج طلبات اعادة الجدولة حالة بحالة مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات التسديد لكل مؤسسة. وأفيد أنّه جرى إطلاع ناشطي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالإجراءات السارية المفعول وشروط الاستفادة منها، في وقت تتطلع الجهات المختصة إلى معالجة ملفات ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة تعاني من صعوبات مالية بكل أنواعها. التطوير يقتضي المراجعة يشدّد ناشطون وخبراء على حتمية مراجعة السياسة الصناعية المتبّعة في الجزائر، وتوخي منهج مغاير، طالما أنّ السياق الحالي يفرض على الجزائر مراجعة نمط تسييرها الصناعي لمواجهة تحديات ذات طابع صناعي بالدرجة الأولى، سيما مع حساسية تأهيل المؤسسات الوطنية على الصعيد التكنولوجي وتحسين ولوجها إلى الأسواق الدولية بشكل ملموس. واعترف محمد بن مرادي وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار قبل فترة، أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة وكل التسهيلات الممنوحة من أجل تشجيع الصادرات، إلاّ أنّ الصادرات خارج المحروقات تبقى ضعيفة جدا، حيث تمثل حصة المحروقات 77 بالمائة من العائدات الجبائية و97 بالمائة من الصادرات، وقال بن مرادي إنّ ترقية الواردات لا يمكن تصورها فقط كسلسلة من الإجراءات التحفيزية ذات الطابع التجاري والمالي. ويٌفهم من كلام وزير الصناعة، أنّ كل الخطط التي استفاد منها القطاع منذ سنوات طويلة ورٌصدت لها المليارات، باءت بالفشل، بما فيها الاستراتيجية الصناعية التي أنفق لأجلها الوزير السابق للقطاع حميد طمار الكثير من الوقت والمال دون أن تلقى طريقها إلى التجسيد، بما فيها مشاريع صناعة السيارات وهلّم جرًا. طاسيلي والأخريات: نماذج ناجحة تبرز مراجع الوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، نماذج عديدة لمؤسسات مصغّرة خاضت رهان التحدي باقتدار، على غرار: طاسيلي (ورقلة)، رشا (عنابة)، “غولدن سكوار” (الجزائر الوسطى)، “فريماز” (تيزي وزو) “هيدروفوند” (تيبازة)، “تارموبلاست” (البويرة)، “شهرة” (سعيدة)، وغيرها. ويقول نجيب (35 سنة)، زهية (39 سنة) إضافة إلى نعيمة، هاجر وإلياس الذين لا تتجاوز أعمارهم ال30 عاما، إنهم أحرزوا نجاحات باهرة عبر تأسيسهم مؤسسات مصغرة تباينت اختصاصاتها بين الاتصال والفنون المطبعية والتصميم الهندسي والصناعات التقليدية. وبحسب نجيب، فإنّ مؤسسته التي دخلت عامها السابع، رسّخت أقدامها في السوق المحلية، وتمكنت من حصد مكاسب معتبرة واستيعاب المئات من العاطلين، وهو ما حفزه على فتح شعب جديدة قد تقود المؤسسة لاحقا إلى اكتساب صفة مجمّع تنافسي على الصعيد المحلي ولما لا الاقليمي والدولي. وتبعا للنماذج المتألقة في الساحة، يقرّ العيد، حكيم، جمال ومروان وهم من خريجي الجامعات، أنّ المعطى حفزّهم على المضي في مشروعات خاصة بهم في ميدان المؤسسات المصغّرة، خصوصا مع الليونة والتسهيلات التي أبدتها السلطات لصالح الشباب المستثمر منذ شهر فيفري الماضي.