أبو مازن في خطابه عن التوجه إلى مجلس الأمن لنيل الاعتراف بعضوية فلسطين الكاملة لم يشأ أن يرفع سقف التوقعات، ولم يعوِّل على تلك الخطوة لتحقيق الاستقلال. لكن الآمال منصبة على تغيير النظرة إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بعد عام 67م، بأن تصبح باعتراف العالم (أراضي محتلة)، لا مناطق متنازع عليها، وبهذا يُوضَع لطموحات الاحتلال غير المحدودة حد ، ويصبح هذا الإقرار الدولي مرجعيةً تُلزِم المفاوض الإسرائيلي الذي يحاول التفاوض بلا أية مرجعية واضحة، كما ترغب إسرائيل. كما يأمل الطرف الفلسطيني بأن يتمكن بعد نيل الاعتراف بالعضوية الكاملة في التمكن من مقاضاة إسرائيل في المحكمة الدولية، في قضايا الإستيطان، وممارسات الإحتلال، كافة. وهؤلاء المنخرطون في هذه الخطوة الدبلوماسية لا يجعلونها نهاية المطاف، وخاتمة الحلول، ولكنها جزء من استراتيجية تصرُّ على إنهاء احتلال يؤمن العالم بضرورة إنهائه، وعليه فإنه في حال اعتراف عدد كبير من الدول، وقد فاقت 120 دولة، فإن توسيعا للنضال السلمي في المناطق الفلسطينيةالمحتلة لترجمة هذا الحق المعترف به دوليا سيحظى بدعم ومساندة دولية أكبر وأما من يستخفون بهذه الخطوة فلعلهم يستذكرون عديد القرارات الصادرة من مجلس الأمن، والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومنها قرار التقسيم (181) الذي قضى بدولة يهودية وأخرى عربية، ومنطقة القدس دولية. ومن تلك القرارات التي كادت الأيام تطمسها قرار 194 الذي ينص على حق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم... ومن يستخف بهذه الخطوة يذكِّر بالموقف الأمريكي المصرِّ على أن التفاوض هو الطريق الوحيد لحل النزاع، وكذلك موقف الاتحاد الأوروبي غير البعيد عن الموقف الأمريكي. وهم يذكِّرون بصلف هذا الاحتلال الإسرائيلي، وتفرُّده عن سائر الإحتلالات، وأنه المسيطر الفعلي على الأرض، وعلى الموارد، والمعابر، بحكم اتفاقات أوسلو. وأن أراضي الضفة الغربية، المحتلة وغور الأردن هي الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل من الناحية الأمنية والإستراتيجية والدينية. جاءت هذه الخطوة الفلسطينية تعبيرا عن انسداد الأفق السياسي التفاوضي، وهي تنسجم مع المطالبات الفلسطينية المكثفة بعدم العودة إلى المفاوضات مع هذه الحكومة اليمنية التي ترفض أية مرجعيات للتفاوض، وتصر على الاستيطان، وعلى يهودية الدولة، والاحتفاظ بمنطقة الأغوار؛ لأغراض أمنية، وفق مزاعمها تطورات الوضع غير واضحة، ويزداد القلق الإسرائيلي، من انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، في هذه المرحلة التي تزيد فيها عزلة إسرائيل الإقليمية، ويتنامى الاستياء الدولي الواضح من مواقفها (المتصلبة). وفي أوقات يشهد فيها الجوارُ العربي ثورات، وإعادة تشكل، حتى صرح رئيس الوزراء المصري عصام شرف بأن معاهدة كامب ديفيد ليست مقدسة، وأن تعديلها وارد. وفوق ذلك تأتي تركيا الغاضبة على حكومة نتنياهو لتلقي بثقلها لمصلحة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولكن، لعل المتضرر الأكبر هي الولاياتالمتحدة التي اضطرت للتخلي عن حكام موالين لها تحت ضغط شعوبهم، كما كان تعاطيها مع ثورة الشعب المصري على مبارك. هذا التوجه الأمريكي الذي أحب أن يظهر مساندا للشعوب العربية في مطالبها في الحرية والكرامة، والإنعتاق من الحكم الدكتاتوري لا يتفق، بالمرة، مع توجهها المساند لنتنياهو الذي تمرد، أول ما تمرد على واشنطن نفسها، وأحرجها على مرأى من العالم أجمع. فالولاياتالمتحدة وقد تخلت عن حكام عرب ساروا في فلكها، وتعاونوا معها، كما فعل مبارك، والقذافي الذي تعاون استخباريا معها ومع بريطانيا ترسل رسالة غير مُطَمْئِنة إلى حكام عرب لا يزالون في السلطة من أن سكوتهم على المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل سيزيدهم ضعفا، في نظر شعوبهم والشعوب العربية، في هذا المزاج العربي الثائر. وهذا السكوت العربي الرسمي عن انتقاد السياسة الأمريكية المنحازة لن يحمل أمريكا على مساندة هؤلاء الحكام؛ إذا ما تصاعدت النقمة الشعبية ضدهم. كما أن واشنطن تخسر، بذلك، أية مكاسب، ولو متواضعة، حققتها، لدى الشعوب العربية؛ بفضل مواقفها غير المساندة للحكام الطغاة، كما تُظهر، في العلن؛ ذلك أن القضية الفلسطينية لا تزال مركز تنبه كامن في الوجدان العربي الجمعي، ولو تزاحمت المطالب الداخلية، ولعل أوضح مؤشر على ذلك، أن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان اكتسب تعاطفا والتفافا شعبيا عربيا حارا بسبب مواقفه القوية من إسرائيل، ومناصرته الحق الفلسطيني. وهذه الخطوة الفلسطينية المدعومة عربيا، ومن تركيا، على المستوى الإقليمي، تعدُّ من آخر السهام في الجعبة الفلسطينية والعربية، وفي حال فشلها، وردِّها بالفيتو الأمريكي، كما هو متوقع، فإنها ستكون بمثابة صفعة قوية لجهود السلام، وخياره، وقد تعزز توجهات شعبية،عربية، وإسلامية، غير مؤمنة بحل سلمي لهذا النزاع، وهو ما يتلاقى مع ما تؤمن به القوى اليمينية في إسرائيل.