وردت كلمة حزب في القرآن الكريم 20 مرة في 13 سورة، وردت 8 مرات بصيغة المفرد، و مرة واحدة بصيغة المثنى، و11 مرة بصيغة الجمع، و هناك سورة كاملة باسم الأحزاب، ومن خلال استقراء هذه الآيات يتضح أن ال"حزب" في القرآن يفيد بشكل عام معنى الترابط المنظم، سواء أكان في الخير أو الشر .فقد ورد بمعنى الأنصار والأتباع كما في قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المجادلة/19)، و قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة/22). و قد ورد بمعنى الجماعة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (الكهف/12(. كما أطلق لفظ الأحزاب على الذين تآمروا على الرسول وتجمعوا لمحاربته كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب/22(. بعد استقراء معاني الحزب في القرآن الكريم نصل إلى الحقائق التالية:وردت كلمة الحزب تارة بمعنى المدح مثل "حزب الله"، وتارة بمعنى الذم مثل "حزب الشيطان"، وتارة بشكل عام مثل قول الله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون/53(. لا يفيد مصطلح الحزب في القرآن الكريم المعنى الاصطلاحي المعاصر له والذي يعني جماعة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة، وإنما يفيد المصطلح الجماعة والطائفة بشكل عام، ثم يُعرف ماهية هذه الجماعة من خلال ما يضاف للحزب فيكون ممدوحا مثل "حزب الله" أو مذموما مثل "حزب الشيطان". أما المصطلح بحد ذاته فليس بمذموم ولا ممدوح. أما في السنة النبوية فقد ورد الحزب كما في القرآن الكريم بمعان متعددة وهي لا تخرج عن المعاني التي حددتها معاجم اللغة والتي ذُكرت سابقا.فقد جاء بمعنى الوِرْدِ اليومي للقرآن ومنه قول الرسول صلى الله عليه و سلم : "طَرَأ عليّ حِزْب من القرآن فأحبَبْت أن لا أخْرُج حتى أقْضِيه"؛ فالحِزب هنا ما يجعله الرجُل على نفسه من قراءة أو صلاة كالوِرْد.. وقد وردت الأحزاب بمعنى الطوائف، ومنه الحديث: "اللهم اهْزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزَلْزِلهم". إن تنامي الصحوة الإسلامية عددت من مواضيع الفكر السياسي الإسلامي لدى المفكرين المعاصرين ، فقد ظهرت نماذج حزبية ناشئة ،عايشت تجارب الوصول إلى السلطة فمنها من وصل و شارك،و منها من تعثر و انفصل أو فصل ، لذلك كثر الحديث عن ماهية النظام السياسي الإسلامي و موقفه من القضايا السياسية المعاصرة كتداول السلطة و التعددية السياسية و الأحزاب ، و تفرع المفكرون الإسلاميون إلى مؤيد و معارض و من استقراء أدلتهم تتجلى ملامح الإشكالية ، على اعتبار الأحزاب السياسية ابتداع أوروبي تستدعي التطرق إلى تطور مسيرتها السياسية ، و بالتالي الدعوة إلى تعريف الحزب و ماهيته. إن مفهوم الحزب لغة واصطلاحا له أكثر من مدلول لغوي منها الجماعة و الطائفة ، فقد ورد في " لسان العرب لإبن منظور " بمعنى الصنف من الرجال ، و الطائفة ، و جماعة من الناس ، و الأصحاب ، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب و يقال أيضا : الوِرْدُ ، النصيب ، النوبة في ورود الماء ، وحَزَبَه أمر أي أصابه ، و للمزيد من التعريفات يرجى العودة إلى المرجع المذكور أعلاه. مصطلح الحزب وردت بشأنه تعريفات عدة تأثرت بالخلفية الفكرية والثقافية للشخص المعرف للموضوع والمناخ الاجتماعي و السياسي الذي لازم نشأته، فالكاتب البريطاني "إدموند بيرك" عرف الحزب السياسي بأنه "مجموعة من الأفراد اتحدت بجهودها الذاتية لترقية المصلحة الوطنية على أساس مبدأ معين متفق عليه بين المجتمع"، وتناوله آخرون على أنه مجموعة من الأفراد تسعى للوصول إلى السلطة للاستفادة من ثمارها وعرّفه Harold Lasswell بأنه "المنظمة المختصة بتقديم المرشحين والقضايا السياسية تحت اسمها في الانتخابات". أما J.S.Colman فقد عرّف الأحزاب السياسية بأنها اتحادات وجمعيات منظّمة بصفة رسمية ولها هدف واضح ومعلن يتمثل في حصولها، أو احتفاظها بالقيادة أو الإدارة الشرعية على الأشخاص أو السياسة الحكومية لدولة ذات سيادة حالية أو مرتقبة، سواء حصلت على هذه القيادة بمفردها أو عن طريق ائتلافي أو عن طريق المنافسة الانتخابية مع غيرها من الاتحادات أو الجمعيات المماثلة"، ويعتبر William Cross الأحزاب السياسية من أهم مرتكزات الديمقراطية حيث يمكن بواسطتها اختيار رئيس الوزراء والوزراء والمناصب السيادية والسلطات التشريعية، وتقرر القضايا المصيرية للبلاد. ولا يختلف المفكرون العرب كثيرًا عن الغربيين في تعريف الحزب، فقد جاء تعريفه في "موسوعة السياسة" بأنه مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وإيديولوجية مشتركة وينظمون أنفسهم بهدف الوصول إلى السلطة. بينما يرى البعض أن الأحزاب ظاهرة سياسية مركبة؛ لذلك يصعب النظر إليها من وجهة نظر واحدة وإعطاؤها تعريفا شاملا؛ لذلك عرفوه وفق مدلوله التنظيمي، ثم مبادئه وأهدافه و مرة أخرى باعتبار وظائفه، بهدف محاولة صياغة تعريف جامع للحزب على شاكلة مفادها أنه "تنظيم يضم مجموعة من الأفراد تدين بنفس الرؤية السياسية وتعمل على وضع أفكارها موضع التنفيذ، وذلك بالعمل في آن واحد على ضم أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى صفوفهم وعلى تولي الحكم أو على الأقل التأثير على قرارات السلطات الحاكمة" من خلال استقراء هذه التعريفات يمكن استخلاص العناصر التشكيلية للحزب حتى يستحق تسمية "الحزب السياسي"، هذه العناصر تكاد تكون نقاط اتفاق بين مختلف التعريفات يمكن حصرها في مجموعة من الأفراد: إذ لا يمكن أن يطلق على أي تنظيم حزب ما لم يكن له أعضاء ومؤيدون وجماهير ولا يطلق على الشخص الواحد حزب مهما كانت لديه من أفكار وبرامج ما لم يلتف حوله الناس والجماهير. الإطار الفكري: لا بد أن يربط مجموعة الأفراد هذه رابطة فكرية، بمعنى الاتفاق على بعض المبادئ و الأفكار التي تتجسد في برنامج واضح المعالم. الإطار التنظيمي: الرابط التنظيمي شرط أساس لإنشاء الحزب بنوع من العلاقة التنظيمية بينه و بين أفراده؛ بداعي كسب أكبر عدد ممكن من الجماهير إلى صفوفه، وهذا يقتضي وجود قوالب وأشكال تنظيمية تستوعب هؤلاء الناس وتوظف طاقاتهم وتوزّع الأدوار بينهم. الهدف السياسي: وهو الوصول إلى السلطة، ويعد العنصر الأساسي الذي يميز الحزب السياسي عن غيره من التنظيمات التي تشترك مع الحزب في العناصر السابقة مثل الجمعيات الثقافية والنقابات المهنية وجماعات الضغط التي تعتبر مجاميع من الأفراد يجتمعون على بعض المبادئ إضافة إلى روابط تنظيمية تجمعهم، ولكن ما يميز الحزب عن هذه التنظيمات هو أن هذه المجاميع لا تسعى للوصول إلى السلطة؛ فهذه الجمعيات تسعى لنيل حقوق شريحة معينة مثل ما هو حاصل في النقابات المهنية، أو تسعى لحل بعض المشاكل والأزمات الحاضرة، وعليه فإن معيار الفرق بين الحزب السياسي وغيره من التنظيمات هو الهدف السياسي، وبهذا فإن أي تجمع أو تنظيم تجتمع فيه العناصر السابقة يمكن أن يطلق عليه "حزب سياسي"، علما أن ما ذكرناه هو بمثابة العناصر الأساسية وقد توجد عناصر أخرى للحزب السياسي مثل القيادة والإدارة و التسيير والعنصر المالي وغيرها... بعد عرض مفهوم الحزب في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، و تبيان اصطلاح الحزب السياسي كابتداع أوروبي ، و جملة تعريفات المفكرين الغربيين و العرب ، التي خلصت إلى استنباط العناصر الأساسية للحزب السياسي و التي يتصدرها هدف الوصول إلى السلطة ، و سنتناول آجلا إن شاء الله موضوع وظائف الأحزاب السياسية. يتبع... شاكي محمد /العيون تيسمسيلت * مراجع الموضوع : د.صلاح الدين عبد الرحمن الدومة، المدخل إلى العلوم السياسية.- لسان العرب لابن منظور.