لفظ "الأمة" في القرآن الكريم لفظ أصيل ومتجذر، فلا يُلتف إلى ما وراء ذلك من أقوال لبعض المستشرقين، تدعي أن هذا اللفظ ليس مشتقاً من لغة العرب، وإنما هو لفظ دخيل عليها، مأخوذ من العبرية "أما" أو من الآرامية "أميثا"، إذ مما لا شك فيه أن لفظ "الأمة" كان مستعملا في لغة العرب في زمن متقدم ورافق هذا اللفظ دعوة الإسلام منذ بدايتها وفي مراحلها كافة وهو لا يزال حتى اليوم لفظا حاضرا بقوة في الفكر الإسلامي بكافة أطيافه وتوجهاته، وإذا رجعنا إلى قول «أبو الدرداء» رضي الله عنه "لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة"، وهو قول يحمل قصدا مفاده أن الذي يتعامل مع القرآن الكريم فهما وتفسيرا واستنباطا ينبغي عليه أن يكون على بيّنة من وجوه التفسير التي جاءت عليه ألفاظه وآياته، وإلا لم يفهم القرآن حق الفهم ولم يفقهه حق الفقه، إذا رجعنا إلى هذا القول يمكننا أن نتحدث عن لفظ "الأمة" في القرآن الكريم ومعانيه التي ورد عليها. ورد لفظ "الأمة" في القرآن الكريم سبعاً وأربعين مرة، منها قوله تعالى "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة"، كما ورد هذا اللفظ بصيغة الجمع "أمم" في اثني عشر موضعاً، منها قوله تعالى "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك"، وجاء في القرآن الكريم من مشتقات هذا اللفظ لفظ "أئمة" في خمسة مواضع، منها قوله تعالى "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" ولفظ "إمام" في سبعة مواضع، منها قوله سبحانه "قال إني جاعلك للناس إماما"، ولفظ "الأُمِّي"، وقد ورد هذا اللفظ ست مرات، منها قوله سبحانه "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي"، ولفظ "الأمة" في اللغة يعني كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد، وبتعبير آخر لفظ "الأمة" يعني الجيل والجنس من كل حيّ، ويُجمع هذا اللفظ على "أمم"، وقد ورد لفظ "الأمة" في القرآن ورد على سبعة معان. الجماعة "أمة" دل لفظ "الأمة" في القرآن الكريم على معنى الجماعة من الناس، وهو الاستعمال الغالب في النص القرآني، ومن ذلك قوله تعالى "تلك أمة قد خلت لها"، أي الجماعة من الناس، ومثله قوله سبحانه "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير". طريقة حياة وعقيدة ورد لفظ "الأمة" في القرآن الكريم حاملا معنى الشريعة والطريقة والمنهج، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة"، أي على طريقة ومنهج من الدين ونحن سائرون عليه لا نحيد عنه. إمامة الناس من الدلالات التي تضمنت معنى "أمة" في النص القرآني الإحالة على معنى الرجل المقتدى به في كل شي، ومنه قوله سبحانه وتعالى "إن إبراهيم كان أمة"، أي كان إماماً وقدوة للناس، يهتدون بهديه ويقتدون بنهجه. الفترة من الزمن يُحيل لفظ "الأمة" أيضا على معنى الفترة من الزمن، ومنه قوله تعالى "وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة"، أي بعد فترة من الزمن، وعلى هذا المعنى ورد قوله تعالى أيضا "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة"، أي إلى أجل معلوم. كل خلق أمة يدل لفظ "أمة" على معنى الخلق عموما، من إنسان وغيره، وعلى هذا المعنى جاء قوله سبحانه "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم"، يعني خلق مثلكم. مِلة أهل الإسلام يدل هذا اللفظ أيضا على معنى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الإسلام خاصة، وعليه ورد قوله سبحانه وتعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، أي الأمة المسلمة، ومنه قوله سبحانه وتعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، يعني المسلمين خاصة. الكفار أمة يمكن أن يرد لفظ "أمة" للدلالة على الكفار خاصة، ومنه قوله سبحانه وتعالى "كذلك أرسلناك في أمة"، يعني الكفار، والذي ينبغي استحضاره في هذا السياق أن اللفظ هنا ليس بحد ذاته هو الذي يحدد المعنى وإنما يشاركه في ذلك السياق، فيتعاونان معا لتوضيح المراد والمقصود من النص القرآني.